العراق مهد الحضارة والعلم، ومنبع الزراعة والكتابة والقانون.

منذ فجر التاريخ وهو يعلم البشرية مبادئ المدنية، وفي فجر الحضارة العربية الإسلامية كان منارتها المعرفية الكبرى، التي أضاءت العالم بالعلم والفكر والفلسفة.

ورغم الانتكاسات التي سببتها السياسة والسياسيون، ظل العراق شامخًا بعلمائه ومفكريه، تنبت أرضه رجالا حملوا مشاعل المعرفة، وأسهموا في ترسيخ هوية الأمة الثقافية والفكرية على مر العصور.


وكسرًا للعادة السيئة التي تقتضي عدم ذكر فضل العالم وهو على قيد الحياة؛ أحببت اليوم أن أذكر ثلاث شخصيات عراقية معاصرة، نسأل الله أن يمد لها في الصحة والعافية.

كل واحد منهم يعد من كبار العلماء في مجاله، بل قد يكون الأكبر على مستوى العالم العربي، بل والعالم أجمع.

الدكتور فاضل صالح السامرائي

عالم اللغة العربية وبيان القرآن، وأحد أبرز المتخصصين في النحو والبلاغة القرآنية في العصر الحديث.

كرس حياته لخدمة لغة القرآن، فأبدع في تفسير أسرار البيان، وتحليل الفروق الدقيقة بين الألفاظ والتراكيب بأسلوب يأسر العقول والقلوب معًا.

عرفه الناس من خلال برامجه ودروسه، خصوصًا برنامجه الشهير «لمسات بيانية»، الذي جعل الملايين يتذوقون جمال العربية ومعاني القرآن بعمق جديد.

كتبه ومحاضراته في علم البيان لا تمل، لأنها تجمع بين العلم العميق والروح الإيمانية الهادئة التي تفتح القلب والعقل معًا. قضى ما لا يقل عن سبعين عامًا يدرس ويتأمل كتاب الله كلمة كلمة، وترى في وجهه وفي خطه اندهاشات المستكشف الذي تغذي عزيمته كنوز اكتشافاته. والأعجب في سيرته أنه بدأ حياته مشككًا في الدين، لينتهي إلى هذا اليقين. يعد من كبار علماء العربية الذين أعادوا للغة مكانتها في فهم النص القرآني.

الدكتور بشار عواد معروف

من كبار علماء الأمة في علم «تحقيق التراث العربي الإسلامي والحديث والتاريخ» وأحد أعلامه في العصر الحاضر.

يعد من أكثر العلماء العرب إنجازًا في تحقيق كتب التراث، إذ حقق حوالي 250 كتابًا من أمهات الكتب العربية والإسلامية، وألف ما يزيد على 100 كتاب في مجاله.

ومشهور عنه أنه يعرف خط صاحب المخطوطة كما يعرف أبناءه، لما اكتسبه من مهارة وخبرة نادرة في قراءة الخطوط القديمة وتمييزها، حتى صار مرجعًا بين المحققين.

يقضي أغلب يومه بين التحقيق والتأليف والقراءة، وأمضى على هذا النهج ما يقارب سبعين عامًا من العطاء المتواصل في خدمة العلم والمعرفة.

الدكتور محمد باسل الطائي

بروفيسور الفيزياء الكونية وأحد أبرز العلماء العرب المعاصرين في مجاله، وصاحب أبحاث ومؤلفات مهمة في الفيزياء النظرية وعلم الكونيات.

مع أني عرفته أولًا من خلال الفلسفة وعلم الكلام، لا من خلال الفيزياء، ويبدو أن إسهاماته في الفكر الفلسفي والكلامي لا تقل أهمية عن إنجازاته الأكاديمية في علم الكون.

فهو يجمع بين التعمق العلمي الدقيق والقدرة على التأمل الفلسفي في قضايا الوجود والزمن والخلق، وهي سمة نادرة.

ويلاحظ دائمًا أن الفيزيائي المتمرس في الفلسفة تكون له عقلية أوسع وأعمق في فهم الوجود.

هؤلاء الثلاثة الكبار، شواهد حية على أن العراق لا يزال منارة علم وفكر وإنسانية، وأن جذوة المعرفة فيه لا تنطفئ مهما تغيرت العصور والظروف.

نصيحتي للشباب الذين يجدون كثيرًا من الفراغ في أوقاتهم أن يقضوه مع هذه العقول العظيمة، بدلًا من إضاعة الوقت في ما لا يفيد.