قرّرت الجامعات الصينية مؤخرًا اعتماد الابتكار التطبيقي أو النموذج العملي معيارًا لمنح درجة الدكتوراة بدلًا من الاكتفاء بالرسائل النظرية. هذا التحول يعكس توجهًا صريحًا لدى الصين نحو تجاوز مرحلة تسجيل براءات الاختراع وتحسين موقعها في مؤشرات الابتكار، والتركيز بدلًا من ذلك على تحويل المعرفة إلى نموذج قابل للتشغيل والقياس. المطلوب من طالب الدكتوراة اليوم تقديم جهاز أو برنامج يعمل فعليًا، حتى إن لم يصل لاحقًا إلى منتج تجاري. الأساس هنا هو القدرة على التطبيق لا إنتاج نصوص نظرية.

هذا التطور يتيح مقارنة مباشرة مع واقع جامعاتنا، التي تبني سردية تفوقها على أعداد البراءات والتراخيص والشركات الناشئة. وتبرز في هذا السياق جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بوصفها إحدى أبرز الجامعات السعودية التي تعلن سنويًا أرقامًا كبيرة في تسجيل البراءات وترخيص بعضها وتأسيس شركات ناشئة مرتبطة بها. إلا أن ارتفاع هذه المؤشرات قد يضع الجامعة في أعلى قوائم التصنيفات العالمية، لكنه لا يعني بالضرورة أن الاختراعات قد تحولت إلى منتجات فعلية؛ فكثير منها يبقى في حدود البراءة والترخيص أو حتى الشركات الناشئة دون أن ينتقل إلى نموذج مادي واضح، فضلًا عن التتجير أو دخول السوق.

ويظهر هنا خلط شائع بين عدد من المفاهيم: براءة الاختراع، النموذج الأولي، الترخيص، الشركات الناشئة. فبراءة الاختراع هي وثيقة قانونية لحماية الفكرة، ويمكن تسجيلها دون وجود نموذج أولي. أما النموذج الأولي فهو النسخة التجريبية الأولى التي تُستخدم لاختبار إمكانية التشغيل وقياس الأداء. الترخيص بدوره ليس منتجًا، بل إذن قانوني لشركة بهدف محاولة تطوير التقنية. والشركة الناشئة ليست مصنعًا ولا جهة إنتاج، بل فريق صغير يبدأ من فكرة ويحاول اختبار قابليتها للتطوير، وغالبًا ما يتوقف قبل الوصول إلى منتج حقيقي. ورغم ذلك تُقدَّم هذه المفاهيم أحيانًا وكأنها مراحل نجاح مكتملة، بينما هي خطوات أولية قد لا تتطور إلى منتج نهائي.


ولتوضيح ذلك يمكن الاستشهاد بمثال مباشر: براءة اختراع بعنوان «جهاز ذكي لكشف تسرب المياه». يمكن تسجيل الفكرة كبراءة مكتملة دون تصنيع الجهاز. لكن النظام الجديد في الصين لا يقبل بذلك؛ إذ يُطلب من الطالب تقديم نموذج يعمل ولو بقدرات محدودة. أما في جامعاتنا، فقد تُسجل البراءة ثم يُمنح فريق ناشئ ترخيصًا لاستكشاف إمكانية تطوير الجهاز، من دون أن يترتب على ذلك أي إنتاج فعلي في كثير من الأحيان. فالترخيص يُعتبر إنجازًا ورقيًا، لكنه لا يمثل وجود منتج مادي.

كما أن الشركات الناشئة ــ بحسب التعريف الدقيق ــ فرق صغيرة جدًا لا تمتلك منتجات جاهزة، بل تعمل على محاولات أولية لاختبار جدوى الفكرة بالتوازي مع البحث عن تمويل. ومعظمها لا يصل إلى إنتاج فعلي. المثال العالمي الأبرز هو شركة (ثيرانوس) Theranos التي جذبت استثمارات ضخمة حول فكرة تحليل الدم بجهاز صغير دون أن تنتج جهازًا واحدًا يعمل فعليًا. وهذا يوضح أن وجود شركة ناشئة لا يعني وجود منتج.

الصين استوعبت هذه الحقيقة، ولهذا لم تعد تقيّم تقدّم جامعاتها بعدد البراءات أو التراخيص أو حتى الشركات الناشئة، بل بالسؤال الأساسي: هل تحولت الفكرة إلى نموذج فعلي؟

فالقيمة الحقيقية للابتكار تبدأ من لحظة التطبيق، وعندما نصل إلى هذه المرحلة يمكن عندها قياس التقدّم بمؤشرات واقعية قابلة للتحقق.