هو امتداد لعلماء وبحّاثة وموسوعيّين جهابذة في علوم التاريخ والجغرافيا والشعر والأدب واللّغة والأنساب والرحلات ممَّن عرفناهم في تراثنا العربيّ التليد، من أمثال اليعقوبي والمسعودي والبيروني والمقريزي والعسكري والواقدي وابن طباطبا وغيرهم.. وغيرهم. على أنّ علّامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر (1910 – 2000)، الذي تمرّ خلال العام الجاري ذكرى 25 عاما على رحيله، كان يتوجّه، ودائماً بهجسٍ نهضويٍّ حيّ، نحو المستقبل والفكر الأنواريّ العامّ، المبنيّ طبعاً على قواعد تراثيّة بأصولها ومبانيها ومضامينها النقديّة الكبرى، والقادرة على إعادة التجديد الإنتاجيّ في كلّ شيء ضمن اختصاصه.

أَصرّ رحمه الله على أن يكون ابن عصره وابن الزّمن اللّاحق بامتياز، فجاهَدَ بكلّ ما أوتي من طاقةٍ ووعيٍ لتكريسِ قواعد العِلم والمعرفة والثقافة العامّة بصورةٍ عمليّة في المَملكة العربيّة السعوديّة، وفي سائر أرجاء الجزيرة العربيّة، فكان أن أَقدم مثلاً على تأسيس مجلّة «اليمامة»، أوّل صحيفة دوريّة شهريّة تَصدر في نجد في العام 1953.. بدأ بطباعتها أوّلاً في مصر، ثمّ في مكّة المكرّمة، وبعدها في بيروت، الأمر الذي اضْطرَّهُ لاحقاً لإنشاء مطبعة في الرياض، لتوفير مشقّة السفر الدوريّ إلى الخارج.. كان ذلك في العام 1955، وهذه المطبعة بدَورِها تُصنّف بكونها المطبعة الأولى التي استُحدثت في العاصمة السعوديّة، ولذلك سمّاها «مطبعة الرياض». وبعد عام من عملها، حوَّلَ الجاسر «اليمامة» من مطبوعة شهريّة إلى مطبوعة أسبوعيّة.

وأسّس بعد ذلك في بيروت مجلّة «العرب» في العام 1966، التي أدارها على مدى 35 عاما، وكانت أوّل منبر إعلامي عِلميَ يتخصّص في نشْر البحوث والدراسات المَعنيّة بتاريخ الجزيرة العربيّة وأماكنها، ومن ضمنها سلسلة بحوث جغرافيّة وتاريخيّة بعضها كان من تأليفه وتحقيقه، والبعض الآخر كان لمؤرّخين وبحّاثة استجابوا لدعوته العلميّة بأن يَكتب كلُّ واحدٍ منهم عن بلده أو عن المنطقة التي يعيش فيها.. وهكذا إلى أن تجمّعت لديه في هذه السلسلة معلوماتٌ موثَّقة، جاوَزت مصنّفاتُها تسَعة عشر مجلّداً.


وفي العام نفسه 1966 كان الشيخ الجاسر قد أَنشأ في بيروت أيضاً داراً للنشر سمّاها «دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر»، اهتمّت، هي الأخرى، بنشْرِ الكُتب التي تتعلّق بتاريخ المَملكة وتراثِها القديم المتنوّع، وبهدف أن يطّلع على إصداراتها ليس أبناء المَملكة والخليج العربيّ فحسب، وإنّما سائر المثقّفين والقرّاء المهتمّين في الأقطار العربيّة الأخرى. ومن أهمّ الكُتب التي أصدرتها الدار: «المعجم الجغرافي للبلاد العربيّة السعوديّة» (ثمانية أجزاء)، و«معجم قبائل المَملكة العربيّة السعوديّة». كذلك كتاب ميثولوجي خاصّ بنظام الأساطير الشرقيّة وتحليل رموزها ومعتقداتها بغية فهم الوعي الجمعيّ للشعوب ونظرتها إلى الكَون والخَلق تحت عنوان «أساطير من الشرق»... إلخ.

وكان اهتمام «علّامة الجزيرة» باللّغة العربيّة فوق العادة، بخاصّة بعد تصدّيه للمؤامرات التي كانت تُحاك ضدّها من طَرَفِ العديد من المُستعرِبين الأجانب، وعلى رأسهم الإيطالي كارلو نلّينو، والألماني ولهلم بيتا، وكذلك من بعض دُعاة العاميّات والدوارج من مفكّرينا وشعرائنا العرب، خصوصاّ في مصر ولبنان والمغرب.

كما وَضَعَ الجاسر المَعاجِم في لغة الضادّ وصنّفها، وصحَّح بعضَها، وراجعَ المعضلات المتعلّقة بالتصحيف والتقعيد، واضْطَلع مناقشاً النقاط الخلافيّة التي كانت تَستعر بين رموز المجامع اللّغويّة العربيّة في دمشق والقاهرة وبغداد وعمّان والمغرب، وحتّى في الهند، وهو في المناسبة كان أحد كبار رموز هذي المجامع المذكورة، كونه كان عضواً فاعلاً في كلِّ واحدٍ منها، والجميع كان يحرص على رأيه، ويعمل بنصيحته العلميّة الصارمة، بحسب ما ساقه لي شخصيّاً «شيخ العربيّة» في مصر العلّامة د. محمود محمّد شاكر.

كما حقَّق الجاسر في مخطوطات الأنساب والقبائل والأمكنة في الجزيرة العربيّة، فكان يحرص بنفسه على قطْع الفيافي والقفار داخل المَملكة وخارجها من أجل أن يتأكّد من أصل هذه القبيلة أو تلك، أو للاطّلاع على مخطوطةٍ مجهولة تمّ اكتشافها حديثاً أو مخطوطة أخرى لم يَسبق له أن اطَّلع عليها، وقيل إنّه سافر إلى اليمن فقط من أجل توضيح بضع كلمات استغلقت عليه في كتاب «الجوهرتَيْن العتيقتَيْن» لأبي محمّد الهمداني، وكان له ما أراد، مؤسِّساً بذلك كلّه ثبْتاً مكيناً من الأسماء والمواقع والآثار، بحيث يتعذّر على أيّ باحث في علوم جزيرة العرب أن يتجاوزها.

المُحاجة مع كمال الصليبي

أمّا منهجه في ذلك كلّه، فكان علميّاً بحتاً، يَشهد له في ذلك كبار البحّاثة والمؤرّخين العرب والأجانب، ومنهم العلّامة الكبير د. عبد الله العلايلي، والشيخ سليمان ضاهر، ود. إبراهيم بيومي مدكور، والأب بولس نويّا، والمطران جورج خضر، والبروفيسور جان لوي ريستان، والمُستعرِب جاك بيرك، والمؤرِّخ د. كمال الصليبي.. هذا الذي حاجَجَهُ الشيخ الجاسر بكثير من التصويب العقلاني بخصوص ما وَرَدَ في كتابه «التوراة جاءت من جزيرة العرب».

وممّا قاله علّامتُنا بعد الهجمة الشرسة التي خيضت ضدّ الصليبي في أكثر من مكان في الخليج وبلاد الشام: «من المتعجّل القول إنّ د. الصليبي أراد تشويه تاريخنا، أو الإتيان بأمر له دوافع سيّئة أو مُتحاملة علينا نحن أبناء هذه الجزيرة العريقة. فالرجل قَبل كلّ شيء هو مسيحي عربي، وإذا صحَّ ما يوصف به عمله بأنّه يشكِّل نَوعاً من العبث، فهو إنّما يكون هنا في وضعيّةِ من يَعبث بتاريخه ودينه هو أيضاً، حتّى وإن كان علمانيّاً، ودائماً انطلاقاً ممّا جاء في التوراة عَيْنها، أو في كُتب «العهد القديم» التي هي أساس ديانة النصارى. إذن د. الصليبي لم يَلحقنا منه أيّ إساءة نحن المُسلمين.. على العكس، فقد قدّم لنا مجموعة من المفاخر لبلادنا نتمنّى أن يكون سياقُها مدعّماً بالحقيقة والشواهد على الأرض.. نتمنّى أنّ سليمان وداود وكلّ ما ذُكر في كُتب العهد القديم من أخبار وقصص مُتداوَلة أن يكون موقعها بلادنا.. ففي ذلك ما يضيف إلى ما شَرّفها الله به شَرفاً زائداً».

ويردف علّامة الجزيرة: «إذن لا ضير علينا أن يقول لنا د. الصليبي مثلاً إنّ نوحاً عليه السلام كان يعيش في هذي البلاد، وإنّه قد أتى من «وادي نجران» واخترقَ الجزيرة.. أو أن يقول إنّ سليمان بن داود كان هيكله في «أبها» أو في جهات «أبها»، أو إنّ سليمان كان قبره في «جرون»...إلخ».

لكنّ د. الصليبي، ومن جانب آخر، لم يكُن البتّة على حقّ في العديد ممّا ذهب إليه، ببساطة لأنّ عِلم الآثار في بلادنا لا يزال ناشئاً، وليست لدينا بالتالي تنقيباتٌ أثريّة تُدلِّل على ما جاء به، وعندما يقول إنّ قرية «خربان» هي «جرون»، فهو على خطأ، لأنّ دارسي الآثار في بلادنا نقّبوا في تلك الجهة، ولم يجدوا فيها أيّ آثار للحياة تسبق هذا العهد الحاضر وما فيه.

أمّا د. كمال الصليبي فيُعطي، في المقابل، شهادة مشرّفة في نقْدِ شيخنا الجليل له ولكتابه «التوراة جاءت من جزيرة العرب»، إذ يقول بالحرف الواحد (بعدما كنتُ قد اتّصلتُ به شخصيّاً للوقوف على رأيه في كلام علّامتنا): «انطباعي أنّ الشيخ حمد الجاسر كان في منتهى الموضوعيّة وكامل الأدب، وكمال التهذيب. اختلفَ الرجل معي في الرأي، وعبّر عن اختلافه برقيّ وتحضُّرٍ وكبير احترام، فلم يَسْتَعدِ مثلاّ، ولم يُسفِّه أو يَسخر، وهذا كلّه، على أيّ حال، من شيَمِ العلماء الاستثنائيّين الكبار، المُكتنزين عُمقاً ومعرفةً ورؤيةً حكيمة ونبيلة».

«معجم البلدان» لياقوت الحموي

تَجدر الإشارة إلى أنّ شيخنا الكبير كان خبيراً بكلّ جزء من أجزاء الجزيرة العربيّة عَبْرَ تاريخها القديم والحديث، كيف لا وهي مهد العرب والمُسلمين، ومنطلق دينهم وثقافتهم المتنوّعة وأطوار فتوحاتهم. وفي سرديّاته التاريخيّة حول الجزيرة العربيّة كان يَلجأ إلى كتب الأدب والتاريخ والسيرة والنقد القديم، علاوة على الشواهد الشعريّة المُدلِّلة على جغرافيا الأمكنة ومتواليات الأحداث وتطوّراتها منذ أيّام الجاهليّة، مروراً بالفتوحات الإسلاميّة، خصوصاً تلك التي قامت في عهد الصحابة، ووصولاً إلى الأندلس والمتواليات الدراميّة التي أعقبتها.

ومن أهمّ المصادر التي لَجأ إليها الجاسر كجغرافيّ كتاب «معجم البلدان» لياقوت الحموي، الذي كان يَصفه بأنّه «أوسع معجم جغرافي عربي بين أيدينا الآن»، ومع ذلك لم يَسلم هذا المعجم من نقدٍ صريح لمضامينه من طَرَفِ علّامتنا، حيث قال: «هذا المعجم لا يصحّ أن يُتَّخذ أساساً في تحديد مواقع الجزيرة، ولكنّه صالح للاقتباس وللاستفادة وللرجوع إليه، للاستئناس بما فيه من نقولٍ متعدّدة عن كُتُبٍ ذات قيمة مُعتبَرة أصبح الكثير منها مفقوداً».

وشيخنا محقّ في ما يَذهب إليه، لأنّ ياقوت الحموي يَعترف بنفسه بأنّه لا يضيره وصف أصول معجمه بالتحريف والتصحيف، ولا يضيره كذلك عندما يحدّد الموضع أن يُحدِّده استطراداً بأقوالٍ مختلفة مُتضاربة، ويضيفه إلى سرديّاتِ قبائل متباعدة، فمِن شأن القبائل أن تَستعمل الاسم الواحد بمسمّيات عدّة، ومن شأن الرواة أن يتزيّدوا، ومن شأن التصحيف أن يكون عاملاً قويّاً في إعجام الاسم وإبهامه.

بوجيز العبارة، إنّ ما يُريد أن يَصل إليه شيخُنا الجاسر من نتيجة هو أنّ الجزيرة العربيّة لا تزال تحتاج إلى جهود دارسين ثِقاة من جديد مهما تزايَدت أعدادهم، إذ لا يكفي الأمر أن يَقتصرَ على جهدِ فردٍ أو أفرادٍ بعيْنهم، مهما بَلَغَ مستوى جودة ما يقومون به في مجال إظهار الحقائق والتدقيق بها، والبرهان عليها.

وعلى الرّغم من خبرته المعمّقة نتيجة جولاته الطويلة والوافية في عموم شرق الجزيرة العربيّة وغربها، وفي وسطها وجنوبها، توصّل الشيخ الجاسر إلى ما يلي:

أوّلاً: إنّ كثيراً من معالم الجزيرة لا يزال مجهولاً حتّى اللّحظة، ومنها ما يقوم على الشعر العربي، فَهْماً ودراسةً وتحقُّقاً، فثمّة آلاف من المواضع التي لم يَرِد لها ذكرٌ في كُتب الأمكنة التي بين أيدينا، وما ذاك إلّا لأنّ الرواة لم ينقلوا شيئاً عنها، وأنّ المؤلّفين لم يَصلوا إليها.. هذا أوّلاً.

ثانياً: فقد عني المتقدّمون بإيراد أقوالٍ مختلفة متضاربة في تحديد مَوقعٍ ما، فهناك مَن يقول إنّه في بلاد بني فلان، وآخر يُخالِف هذا القول، وثالث يبعد الشقّة، ولم يَلحظ كثيرٌ من المتقدّمين من المؤلّفين أنّ الاسمَ الواحد قد يُطلق على مسمّيات عدّة، ولم يُدرِك بعضُهم أنّ القبائل من طبيعتها نقْل كثير من أسماء بلادها المحبوبة إلى أماكن أخرى، ومن ثمّ نَجِد الخطأ الفظيع في تحديد المواضع.

ثالثاً: هناك أسماء مواضِع متشابهة بالاسم، ومن عادة العرب تسمية الموضع بصفة قريبة من طبيعته، ومن هنا نَشأ إطلاق الاسم الواحد على مسمّياتٍ مختلفة تتّصف بصفةٍ واحدة، وإن كانت المواقع متباعدة، وهذا ممّا لم يلحظه كثيرٌ من المؤلّفين.

رابعاً: بحسب منطق علّامة الجزيرة نفسه، إنّ هناك أسماء كثيرة أوردَها المتقدّمون مُحرَّفةً ومُصحّفة، وعذرهم في ذلك أنّهم ينقلون عن كُتُبٍ أُلّفت في أوّل العهد الذي بَدأ فيه التأليف العربيّ، ومؤلّفو ذلك العهد لا يُعنَوْن كثيراً بضبط الاسم، ومن هنا نَشأ التحريف والتصحيف، وعن هذَيْن نَشأ الغلط ممّا لم يكُن يدركه المؤلّفون المتأخّرون.

ويَصل الجاسر إلى نتيجةٍ قارّة، ومفادها أنّ التخلّص من الحيرة في تحديد كثير من الأماكن إنّما يكون بزيارة المواضع عيْنِها ورؤيتها مباشرةً على الأرض، ومن ثمّ بعد ذلك تحديدها على نحوٍ ملموس، وهو ما حرصَ شيخُنا على القيام به كجغرافيّ وكمؤرّخ اجتماعي وأنثروبولوجي، على الرّغم ممّا كان يكلّفه ذلك من مشقّات بدنيّة ونفسانيّة، وكذلك من نفقاتٍ مُبهظة اقتصرت على حرّ ماله.

كثير عزّة وإحسان عبّاس

ومن أجواء مارون عبّود انتقلتُ مع علّامتنا الجاسر إلى أجواء الشاعر كثيّر عزّة (مواليد المدينة المنوّرة - 644 ميلادية) والنّاقد د. إحسان عبّاس.. قلتُ لمحدّثي: هل صحيح أنّ إحسان عبّاس، وهو ما هو في مضمار التحقيق التراثي كما تعرفون، كان قد طَلب منكم المساعدة في ما يتعلّق بالأماكن الأولى التي نَشأ فيها "شاعر الحجاز" "كثيّر عزّة"، وتحديداً قريته: "كُلْية" الواقعة بين مكّة المكرَّمة والمدينة المنّورة في أثناء اشتغاله على الشاعر المذكور.. وقَبل أن أستطرد في سؤالي أكثر، قاطعني علّامتُنا الجليل قائلاً:

"طلباته أوامر" صديقنا الكبير د. إحسان عبّاس، وهو يَستحقّ عن جدارة لقب "شيخ المحقّقين العرب".. نعم اتَّصل بي الرجل ولبَّيْتُ كلّ طلباته.. دعوته شخصيّاً الى المَملكة وعايّنا سويّاً الأمكنة التاريخيّة ذات العلاقة بقرية "كُلْية" مسقط رأس "كثيّر عزّة.. وكما تَعرف، ويَعرف أهل الأدب والشعر، أنّ الشاعر كثيّر عندما صار شابّاً فتيّاً ومقتدراً أَخذ يتنقّل بين العراق والشام ومصر.. وله قصّة أكثر من طريفة في الشام مع عبد المَلِك بن مروان، خامس خلفاء بني أميّة والمؤسِّس الثاني لدولتهم بعد معاوية.. دخلَ عليه الشاعر كثيّر عزّة، وهو كما تَصفه كُتُبُ الرواة، قصير القامة نحيلها ودميم الوجه والخلقة، فخاطبه عبد المَلِك بن مروان: أأنتَ كثيّر عزّة؟! قال: نعم؛ قال: "أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"!! قال: يا أمير المؤمنين، كلّ عند محلّه رحب الفناء، شامخ البناء عالي السناء؛ ثمّ أنشد:

ترى الرجلَ النحيفَ فتزدريه

وفي أثوابِه أسدٌ هصورُ

ويعجبكَ الطريرُ فَتَبتَليهِ

فيُخلِف ظنّكَ الرجلُ الطريرُ

فما عِظَمُ الرجالِ لهم بفخرٍ

ولكِن فخرَهم كرمٌ وخيرُ

فإن أكُ في شِرارِكُم قليلاً

فإنّي في خيارِكُم كثيرُ

فعلّق عبد المَلِك بن مروان (بحسب كُتب الرواة أيضاً): "لله درّه ما أفصح لسانه، وأطول عنانه! والله إنّي لأظنّه كما وصف نفسه".

واستطردَ شيخُنا حمد الجاسر يقول: توافقتُ مع د. إحسان عبّاس على حبّ شعر هذا الشاعر النجديّ البارز. كما وأُعجبنا معاً بموقف عبد المَلِك بن مروان من تقييم شِعره الذي غطّى على كلّ معائبه الشكليّة، والتي ليس له أيّ دخل فيها بالطبع. وأّما عبارة "أن تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه" فذهبتْ في شهرتها أكثر من شهرة القصيدة نفسها مع شاعرها.. ومن كثرة ما تردّدت على ألسن الناس، باتت مثلاً شعبيّاً تُكرّره الأجيال جيلاً عن جيل وعصراً بعد آخر.

رَحمَ الله علّامةَ الجزيرة حمد الجاسر الذي كان يُسيطر على ما يرى، وما يَستقرئ ويوصل.. كان يَفحص ويزِن، يُحلِّل ويُعلِّل، وبعدها يُقرّر تعييناته بحريّة وجسارة وسداد.

* مؤسّسة الفكر العربي

* ينشر بالتزامن مع دورية «أفق» الصادرة عن مؤسسة الفكر العربي