هذه الموجة العالمية من التشريعات والقوانين تضعنا مجددا أمام الأسئلة الجوهرية التي يجب الانطلاق منها لمعرفة المكتسبات والخسائر المتوقعة من الدخول الكلي للعوالم الرقمية. كما توحي بأن المسألة خرجت من كونها رأيا تربويا أو مسؤولية اجتماعية إلى كونها مسألة أمن قومي وصحي عام تدرسه الدول بعناية وتستند فيه لتراكم الدراسات والأبحاث التي ربطت بين الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي وارتفاع دلالات القلق والاكتئاب لدى المراهقين، وأشارت إلى أن تصميم هذه المنصات القائم على المقارنات الاجتماعية يعمق الهشاشة النفسية وتدني احترام الذات، كما أكدت مؤسسات صحية رسمية حول العالم بأن الأدلة المتاحة لا تسمح باعتبار وسائل التواصل الاجتماعي بيئة آمنة للأطفال. بل ويمتد الضرر ليطال القدرات المعرفية والتعليمية فالدماغ في مرحلة النمو يحتاج للتفاعل الواقعي وهو ما لا توفره الشاشات. كما حذرت الدراسات من أن الطبيعة السريعة والمتقطعة للمحتوى الرقمي كالمقاطع السريعة على المنصات تقلل من قدرة الطفل على التركيز لفترات طويلة فيفقد القدرة على التعلم العميق وحل المشكلات.
كل ساعة يقضيها الطفل أمام الشاشة، مسروقة من التفاعل البشري، ما يقلل من قدرته على قراءة لغة الجسد. وفهم المشاعر، وتطوير مهارات الحوار. ناهيك عن الأضرار الجسدية حيث يرتبط الاستخدام المفرط للشاشات بنمط حياة خامل يزيد معدلات السمنة ويؤدي لاضطرابات النوم ويؤثر سلبيا على النمو والمزاج والتحصيل الدراسي.
لا ننكر أن تعلم الطفل لاستخدام التقنية يحقق له فوائد ومكتسبات ويسهل عليه الوصول لمصادر المعرفة، شرط أن يكون هذا فعلا مسؤولا موجها تحت إشراف الأسرة وتقنين ملزم للشركات ومنصات التواصل.
الأضرار الناجمة عن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا تحدث بشكل تلقائي صامت بينما الفوائد تحتاج للمتابعة والتوجيه والإشراف. كما أن ترك الطفل وحيدا في العالم الرقمي يشبه تركه في مدينة كبيرة دون إشراف.
يعد تحرك دول مثل الصين وأستراليا وفرنسا وغيرها إدراكا عميقا للمسؤولية عن الأجيال القادمة.
نحن اليوم أمام مفترق طرق، وعلينا أن نتخذ خطوات جادة لوضع ضوابط أكثر مثل تحديد سقف زمني للاستخدام الترفيهي، وتفعيل «وضع القاصرين» وحظر منصات التواصل الاجتماعي لمن هم دون سن معينة.
خطوات كهذه سيكون لها أكبر الأثر على ذاكرة الأجيال القادمة التي هي امتدادنا واستثمارنا.