حين أعلنت المملكة العربية السعودية استضافتها لكأس العالم 2034، لم يكن الحدث رياضيًا فحسب، بل إعلانًا صريحًا عن مشروع وطني طويل المدى؛ مشروع يتجاوز بناء الملاعب وتطوير البنية التحتية، إلى بناء الإنسان قبل اللاعب. وفي قلب هذا المشروع، يقف سؤال حاسم غالبًا ما يُؤجَّل أو يُختزل: هل نُعدّ لاعبينا نفسيًا وذهنيًا بنفس الجدية التي نُعدّهم بها بدنيًا وفنيًا؟

في كرة القدم الحديثة، لم تعد الفروق البدنية أو التكتيكية وحدها هي ما يحسم البطولات. المنتخبات الكبرى تتشابه في الإمكانات، لكن الفارق الحقيقي يظهر في لحظات الضغط: ضربة جزاء في الدقيقة 90، مباراة افتتاحية أمام جمهور ضخم، أو بطولة تُلعب على أرضك وبين جماهيرك. هنا، لا يتحدث الجسد، بل يتحدث العقل.

علم النفس الرياضي ليس ترفًا، ولا جلسات تحفيزية عابرة، ولا شعارات عن الثقة والروح القتالية. هو علم تطبيقي دقيق، يعمل على تطوير مهارات ذهنية محددة: إدارة القلق، التركيز تحت الضغط، استعادة الثقة بعد الإخفاق، التحكم في الانفعالات، واتخاذ القرار في أجزاء من الثانية. هذه المهارات هي ما يصنع الفرق بين لاعب موهوب، ولاعب قادر على الأداء حين يكون كل شيء ضده.


مشروع بناء المنتخب السعودي نحو 2034 لا يمكن أن يكون مشروع «لحظة»، بل مشروع «مسار». يبدأ من الفئات السنية، من الأكاديميات، من الملاعب الصغيرة، حيث تتشكّل شخصية اللاعب قبل أن تتشكّل عضلاته. اللاعب الذي لا يتعلم منذ الصغر كيف يتعامل مع الخطأ، وكيف يتحمّل النقد، وكيف يضبط انفعاله، سيصل إلى المستوى العالي وهو هش نفسيًا، مهما بلغت موهبته.

المنتخب المستضيف لكأس العالم يواجه ضغطًا مضاعفًا. ضغط التوقعات، ضغط الإعلام، ضغط المقارنات، وضغط اللعب أمام جمهور ينتظر أكثر من مجرد مشاركة مشرفة. هذا الضغط، إن لم يُدر علميًا، قد يتحول من دافع إلى عبء، ومن حافز إلى عائق. وهنا تتجلى أهمية وجود منظومة نفسية متكاملة، لا تعتمد على الحلول المؤقتة، بل على برامج مستمرة ومقننة.

في الدول المتقدمة كرويًا، الأخصائي النفسي الرياضي جزء أساسي من الطاقم الفني، يعمل جنبًا إلى جنب مع المدرب والطبيب والمعالج البدني. لا يتدخل فقط عند الأزمات، بل يعمل وقائيًا: يقيس الحمل النفسي، يتابع الحالة الذهنية، يخطط لروتين ما قبل المباريات، ويساعد اللاعبين على بناء عقلية تنافسية مستقرة. النجاح هناك لا يُترك للصدفة.

استضافة كأس العالم فرصة تاريخية، لكنها أيضًا اختبار حقيقي لقدرتنا على التفكير العميق لا السريع، وعلى البناء الهادئ لا ردود الفعل. المنتخب الذي نريده في 2034 لن يُصنع في سنة أو سنتين، بل في عشر سنوات من العمل الذهني المتراكم. كل بطولة شبابية، كل معسكر، كل مباراة، هي لبنة في هذا البناء.

الرسالة واضحة: إذا أردنا منتخبًا ينافس لا يشارك، ويصمد لا ينهار، ويؤمن بنفسه لا يتردد، فعلينا أن نستثمر في العقل كما نستثمر في القدم. علم النفس الرياضي ليس مجرد دعم جانبي، بل هو أحد أعمدة المشروع الوطني الرياضي القادم. ومن يفهم هذه الحقيقة مبكرًا، سيصل أبعد مما يتوقع.