إعلان عام 2025 عامًا ثقافيًا سعوديًا صينيًا لم يكن حدثا بروتوكوليا عابرًا أو مناسبة احتفالية مضافة إلى جدول العلاقات الثنائية، بل مثّل لحظة تتويج واحتفاء بمرور 35 عامًا على العلاقات السعودية الصينية ومثل نضج في فهم طبيعة الشراكة بين الرياض وبكين. فمن يتابع مسار العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأخيرة يدرك أن الثقافة لم تُطرح بوصفها ترفًا دبلوماسيًا، بل كمدخل إستراتيجي يعيد ترتيب الأولويات، ويؤسس لثقة طويلة الأمد تتجاوز لغة الأرقام والاتفاقيات.

من واقع تجربة شخصية عشتها في الصين، تعلمت أن الثقافة هناك لا تُستخدم كواجهة ناعمة فحسب، بل كأداة تمهيدية تسبق الاقتصاد وتُمهّد له. فالفهم المتبادل، واحترام الخصوصيات الحضارية، وبناء الصورة الذهنية الإيجابية، كلها عناصر تُعد جزءًا أصيلًا من أي توسع أو شراكة ناجحة. وهذا بالضبط ما عكسته طريقة إدارة العام الثقافي السعودي الصيني، حيث جاءت الفعاليات والمعارض والمهرجانات بوصفها رسائل هادئة، لكنها عميقة، موجهة إلى الشعوب قبل الحكومات.

ما ميّز عام 2025 أنه لم يفصل بين الثقافة والسياسة والاقتصاد، بل جمعها في مسار واحد متوازٍ. فالتزامن بين الحراك الثقافي والزيارات رفيعة المستوى، وفي مقدمتها زيارة وزير الخارجية الصيني إلى المملكة، عكس مستوى متقدمًا من التنسيق السياسي، ورسالة واضحة بأن الشراكة بين البلدين لم تعد محصورة في نطاق التعاون التقليدي، بل تتجه نحو أفق أوسع يشمل القضايا الإقليمية والدولية، والتحولات الاقتصادية الكبرى.


وجاء تزامن العام الثقافي مع الذكرى الخامسة والثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ليضيف بعدًا رمزيًا مهمًا. فمنذ عام 1990، تطورت العلاقة السعودية-الصينية بهدوء، بعيدًا عن الضجيج الإعلامي، لكنها كانت تتراكم بثبات حتى وصلت إلى شراكة استراتيجية شاملة. الاحتفاء بهذه الذكرى لم يكن استدعاءً للماضي بقدر ما كان تأكيدًا على أن هذا المسار الطويل من الثقة هو ما يسمح اليوم بفتح ملفات أكثر عمقًا بثقة متبادلة.

وفي الجانب الاقتصادي، جاءت الأرقام لتدعم هذا المشهد. إعلان الهيئة العامة للإحصاء تصدّر الصين لشركاء المملكة التجاريين في الصادرات والواردات، وارتفاع الصادرات غير النفطية بنسبة لافتة، وتراجع الاعتماد النسبي على النفط، كلها مؤشرات لا يمكن فصلها عن البيئة العامة للعلاقة. فالثقة السياسية، والتقارب الثقافي، ينعكسان بالضرورة على حركة التجارة والاستثمار، ويخلقان مناخًا أكثر استعدادًا لتوسيع الشراكات طويلة الأمد.

وفي نهاية العام ومن خلال مهرجان «بين ثقافتين»، الذي قدّم صورة حيّة للتلاقي الحضاري بين الشعبين. لم يكن المهرجان مجرد عرض فني، بل مساحة تفاعل حقيقي، التقت فيها الفنون بالتراث، والموسيقى بالأدب، في مشهد يعكس كيف يمكن للثقافة أن تتحول إلى لغة مشتركة تُقرّب المسافات وتُعيد تعريف العلاقة على المستوى الإنساني.

في المحصلة، يمكن القول إن عام 2025 لم يكن عامًا للاحتفاء فقط، بل عامًا لاختبار نموذج مختلف في العلاقات الدولية؛ نموذج يرى أن الاستدامة لا تُبنى بالقوة ولا بالمصالح الآنية، بل بتراكم هادئ من الفهم، والاحترام، والتكامل، وأن ما بعد 2025 لن يكون امتدادًا لما قبله، بل مرحلة جديدة تُدار فيها العلاقة السعودية الصينية بوصفها شراكة حضارية واقتصادية عميقة.