عزة السبيعي

في لقاء جمع الصحفيين بالسياسيين حول حماية حرية الرأي، جلس جواري رجل تفاعل مع خطابات الصحفيين بتعليقات معتبرة صبّها في أذني، فالتفت نحوه في فترة الاستراحة وقلت: هل حضرتك صحفي؟ فتطلع فِيّ للحظة، ثم قال حسبما يقوله هؤلاء الصحفيين: أنا أقوى من أن أكون صحفيا. تساءلت باستنكار، بحكم العلاقة بعالم الصحافة، «وما الوظيفة الأقوى من أن يكون الشخص صحفيا»؟. ابتسم، وأدخل يده في جيبه، ومدّ لي «كَرْتَه وهو يقول:«ربما الأمين العام لحلف الناتو». أخذت الـ»كرت وأنا أفكر في ردّ يحفظ كرامة زملائي الصحفيين، ثم قلت -دون أنتم السياسيون- قوتكم مرتبطة بمناصبكم، بينما الصحفي والكاتب قوته مستمدة من موهبته، لذا هي تكبر ولا تتضاءل أبدا. في الحقيقة، هناك أمور أخرى تجعل الكاتب والصحفي، أقوى بكثير، وهو أن يحافظ على نزاهته، فلا يتم استدراجه ليعمل قلمه تحت أمر مصلحته، مادية كانت أو معنوية، فيصبح -مهما خدع نفسه- جبانا وضعيفا وقابلا للشراء. وكل ذلك حكمه الانكشاف للناس مهما حاول أن يخبئه، وعنده سيخسر الموهبة كما يخسر السياسي وظيفته حين يخطئ. على كل حال، في عالمنا العربي، هناك أمور أخرى تسلب الصحفي أو الكاتب قوته الساعية إلى التغيير الإيجابي، ولا علاقة لها بسعيه إلى مصالحه، وهو عندما لا يجد طريقة ناعمة لإيصال رسائله، والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن الأمثلة على من استخدم الطريق الناعم في التغيير، قليلة، أبرزها نجيب محفوظ، رحمه الله. ومن الطريف أنه سئل يوما: لماذا لم يُوقَف عن الكتابة، أو يُسجَن يوما؟، فقال ضاحكا: «أنا مش غبي»، وهو كذلك، فعندما تراجع رواياته ترى فيها كثيرا من الرسائل للمجتمع المصري، دون استفزاز لأحد، وهو أيضا يذكّرني بشكسبير المسرحي الإنجليزي، الذي كان يتنقل بموضوعات مسرحياته إلى مجتمعات أخرى، وهو يقصد المجتمع البريطاني. فمرة إيطاليا، ومرة المغرب. هؤلاء يثبتون أن الكتابة والرأي قوتان حقيقيتان تحتاجان للذكاء لتصل إلى النوايا الحسنة دون أن يُضحَّى بصاحبها.