عبدالله المعيدي

إن من أصول الدين الرئيسية، ومقاصد الشريعة العظمى: الاجتماع ونبذ التفرق.

وبهذا شهدت نصوص الوحيين، مما يدل على مكانة هذا الأصل العظيم من الدين.

فإنه إنما بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين، والألفة والجماعة، وترك الفرقة والمخالفة،

ولهذا فقد اجتهد أئمة الدين ببيان أهمية لزوم الجماعة، ودعوا إلى لزومها، فما من إمام كتب عقيدته، إلا وتجد النص فيها على لزوم الجماعة، لأنهم فقهوا قدر هذا الأصل العظيم وصلته بقواعد الملّة، فلا قيام للدين إلا بلزوم الجماعة، ورحمة الله معلقة بذلك. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، «فظهر أن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين، والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به باطنا وظاهرا».

ومعلوم أن الاجتماع لا يتحقق إلا بوجود إمام يكون له السمع والطاعة، ولهذا فإن مسألة السمع والطاعة تعد من المسائل العقدية العظيمة، والأدلة الدالة عليها كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله «صلى الله عليه وسلم».

ولشهرة هذا الأصل في كتب أهل السنة، وتقريرهم له، وحديثهم عنه في محاضراتهم، وخطبهم، ظن كثير من الناس أن مسألة السمع والطاعة مسألة لا تحتاج إلى بيان، أو لسنا بحاجة إلى تكرار الحديث عنها بين فترة وأخرى. وللأسف تجد هذا الأمر ليس فقط عند بعض العامة، بل عند كثير من المفكرين والمثقفين.

والحق أن هذه المسألة من الأهمية بمكان، خاصة مع الجهل بأهمية هذا الباب عند البعض، خاصة من الشباب، وظهور دعوات باطلة، وفرق منحرفة، وأعمال محرمة، تخرق هذا الباب العظيم وتسعى إلى هدمه.

ومع أهمية هذه المسألة، إلا إن المتأمل واقعَ البلاد الإسلامية يجد أن هذا الأصل مغيّب تماما عند البعض، أو على الأصح يراد تغييبه، خاصة من بعض جماعات ما يعرف بالإسلام السياسي، كجماعة الإخوان، ومن نحا نحوهم.

فمع أن هذه المسألة تعد أصلا من أصول العقيدة عند أهل السنة والجماعة، إلا إنك لا تجد لها ذكرا في أدبيات الإخوان مثلا!.

والسبب في نظري، لأن هذا الأصل يتعارض تماما مع المنهج والغاية التي قامت عليها هذه الجماعة، وهو الوصول إلى الحكم في البلاد الإسلامية، ولهذا نجد أن من أدبيات هذه الجماعة التركيز على الأخطاء والظلم الذي قد يقع من بعض ولاة الأمر والحكام، والتي هي دائما تكون خطأ ممن هو دونهم من ذوي المسؤوليات، وليس المقام هنا مقام نفي هذا الأمر أو التبرير له، ولكن مقصدنا هو بيان أن تركيز هذه الجماعة على هذا الجانب عند ولاة الأمر، بسبب أن هذا الجانب يخدمهم في تجييش الجماهير على ولاة أمورهم، وملء القلوب حقدا على الحكام، وبالتالي يكون الجو مهيئا لقيام الثورات، وما قامت ثورة على الحكام إلا وسبقها هذا الأمر.

ولهذا، نجد أن جماعة الإخوان -وفي طرحهم- كثيرا ما يهوّنون من هذا الأصل، ويستهزئون بالسلف الذين يتمسكون به، ويضعّفون كل نص يسنده أو يفسرونه على ما يوافق منهجهم، وهم في ذلك كسائر المناهج الثورية التي تشرّبت فتنة ما يسمى بالربيع العربي.

ولخطورة هذا الأمر، فقد جاءت الشريعة بوجوب السمع والطاعة لولاة الأمر، وأن يكون السمع حال السراء والضراء، وعلى هذا درج أهل السنة والجماعة، فيحرم عندهم الخروج على ولاة الأمور، وإن كانوا فُجّارا، أو وقع منهم ظلم، فيطاعون بالمعروف، ويعانون على ما شرع الله، كما جاء في الصحيح عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنه قال: «بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان».

وهذا موطن قد يغلط فيه كثير من الناس، جهلاً وهوى وخطأ، فيجعلون السمع والطاعة مرتبطين بأمور الدنيا فقط، والحق -والذي دلّ عليه الكتاب والسنة- أن الإنسان مطالب أن يدين بالسمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف، في المنشط والمكره، بل ومع وجودة الأثرة، وأن يدين بتحريم الخروج عليهم، وألا يعين أحدا في ذلك ولو بكلمة.