أصيل الجعيد

النيابة العامة، جهاز العدالة الأهم، والذي به يناط حق المجتمع وسكينته وسلامه. وعلى الرغم من قصر عمر النيابة العامة الزمني، إلا أنها قامت بدور جبار ومشهود له.

ولكن تجربة النيابة، وكما هو الحال في أي عمل حديث، ما زالت بحاجة إلى المراجعة والتحسين، ولعلي هنا أسلط بعض الضوء من داخل بيت القانون على ممارسات أعتقد -جازما- أنها بحاجة إلى التحسين.

ولنبدأ بأولها، وبالنظر مثلا إلى دائرة الرقابة على السجون نتساءل عن معايير هذه الدائرة: هل توجد معايير؟ وهل يعلم المواطنون والمقيمون عنها شيئا؟ هل توجد إحصاءات عن عدد المساجين الذين تنتهي محكومياتهم، ويتأخر خروجهم؟

وفي جانب آخر، نذكر مسألة مهمة جدا وهي «التوقيف». وكما هو معلوم، فالتوقيف إما وجوبي بنص القانون، أو جوازي يخضع لرأي المحقق المختص وتقديره للمصلحة، ويبقى لهذا النوع الأخير حساسيته، إذ إنه ينفذ بموجب معايير تحتاج مزيدا من الضبط القانوني، والحق أن المشكلة هنا مركبة، فمن جهة تحتاج النيابة العامة إلى نص قانوني، وهذا خارج عن اختصاصها، ومن جهة أخرى تحتاج لإيجاد آلية للتعامل مع التظلمات المرفوعة لها ممن تم إيقافهم جوازًا، إذ الآلية المتبعة حاليا تشمل فقط رفع التظلم لرئيس الدائرة، ولا يوجد أي توضيحات بشأن ما يتم من إجراءات بعد ذلك، ولا مدة الإجراء.

ومن تجربة شخصية، فقد تعاملت -مؤخرا- مع إحدى القضايا في النيابة العامة وقد حفظت القضية، إلا أن المحقق لم يزوّدني بصورة قرار الحفظ، كما لا توجد آلية ملزمة للنيابة لتقديم مثل هذه الأمور.

فلا أجد مانعا مقبولا يمنع الاطلاع على رأي النيابة العامة، خاصة أن قرار الحفظ يمكن الاعتراض عليه، حسب نظام الإجراءات الجزائية، فيعدّ حجب قرار الحفظ بهذا الشكل تعطيلا لإحدى ممارسات العدالة وحقوق الإنسان المكفولة نظاما.

ثم لنعرج على دائرة أخرى، هي دائرة العرض والأخلاق، تلك الدائرة التي تستقبل القضايا التي ترفضها الدوائر الأخرى المتخصصة، والحقيقة هي وجود ثغرة قانونية تتمثل في غياب النص القانوني، فتخضع الأمور للاجتهادات البشرية المعرضة للصواب والخطأ، والقاعدة القانونية تقول، إنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص صريح.

كما لا يفوتني أن أشير إلى السياسة الجنائية التي تعمل على تقليل الجرائم والحد من وقوعها، كجانب وقائي، إنها سياسة شبه غائبة، فلم نسمع عن دائرة متخصصة تتعاون مع مركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية لهذا الغرض تحديدا، كما أن النيابة العامة تحتاج إلى وجود إدارة عامة للشؤون القانونية في هيكلها التنظيمي، تضم متخصصين خبراء للإسهام في حل القضايا الشائكة، ومباشرة الجوانب القانونية الداخلية والخارجية للنيابة.

ثم ماذا عن القضايا الباردة؟ تلك التي يتم حفظها، ماذا عن الدراسات والبحوث ذات العلاقة بأعمال النيابة العامة؟، ماذا عن تدريب منسوبي النيابة المحققين خاصة؟، وماذا عن تعزيز كوادر النيابة بوجود طواقم نسائية تعمل في دوائر النيابة المختلفة كالرقابة على السجون؟، ماذا عن إعداد كوادر تتحدث بأكثر من لغة خاصة مع توافد السياح إلى بلادنا؟، ماذا عن المادة الـ70 في نظام الإجراءات الجزائية المتناقضة، والتي تنص على عدم عزل المتهم عن وكيله ومحاميه الحاضر معه، ولكن ليس للوكيل أو المحامي التدخل في التحقيق إلا بإذن المحقق؟ ما فائدة حضور المحامي مع المتهم إذا لم يستطع مساعدة موكله في مواجهة النيابة العامة، وهو ما قد يعد تدخلا في التحقيق؟

ما أقوله هنا، هو أن عمل النيابة -رغم الجهد المبذول فيه- يبقى محتاجا إلى الانفتاح على الرؤى الجديدة، والتجارب العالمية العريقة.

وإن ما ذكرته في هذا المقال هو مجرد ملاحظات رأيت مشاركتها في هذه المساحة، وإن كنت أتفهم ما تواجهه النيابة من ضغوط متلاحقة، إلا أننا في نهاية المطاف نأمل في رؤية هذا الجهاز ـكما هو مطلوب منه ـ واجهة مشرفة للأمن والوطن والعدالة، وأعلم أن أي ملاحظات أو اقتراحات هي دائما موضع اهتمام من المسؤول.