ماجد الجريوي

في أغلب الدول المتقدمة والسياحية نجد بما يسمى «الحي الصيني» Chinatown وهو عبارة عن حي صيني بالكامل يستوطنه الصينيون، ومحلات صينية تنتشر في زواياه، ومطاعم خاصة بالأكل الصيني فقط. وكأن الحي عبارة عن فرع مصغر من جمهورية الصين. وعادة ما يكون هذا الحي في أساسه عن طريق الهجرة الجماعية من مواطنين كان دافعهم البحث عن معيشة أفضل. وتعتبر منطقة بينيندو في مانيلا، التي تأسست في عام 1594، أقدم حي صيني على الإطلاق. ثم بدأت تنتشر على طول المناطق الساحلية بجنوب شرق آسيا في القرن السادس عشر. ثم في بدايات القرن التاسع عشر وبسبب السفن التجارية من وإلى الصين، استطاع المهاجرون الوصول إلى مدينة ليفربول في بريطانيا. ومنها إلى العالم الجديد الولايات المتحدة الأمريكية حتى انتشرت الأحياء الصينية الرئيسة اليوم، وفي آخر إحصائية في 19 دولة حول العالم.

هذه التجمعات البشرية المنتشرة في أرجاء المعمورة تتشابه في أهدافها ووجودها. ظاهريا وبالنسبة للمهاجرين ومن استوطن هذه الأحياء لا شيء يشغلهم سوى العيش بمستوى وبشكل أفضل مما كانوا عليه. ثم إن لها عوائد اقتصادية كبيرة كون المنتجات التي تباع فيها غالبا تكون بأسعار تنافسية وجاذبة للسائحين وحتى المواطنين والسكان الأصليين في بلدان العالم. وفرصة مهمة للتجول بين أرجاء هذه الأحياء واستكشافها والاستمتاع بالمهرجانات والاحتفالات التي تقام بها بدلاً من أن تقصد بلدا سياحيا واحدا ستكون حينها جمعت أكثر من حضارة وثقافة في رحلتك.

هذا العدد الضخم من الشعب الذي بلغ عدد سكانه سنة 2020 مليارا وأربعمائة مليون نسمة كأكثر شعب في العالم. هذا البلد العريق بتاريخه والمتميز في حضارته صدر بضائع وسلعا لا هوية. صدر اقتصادا لا تأثيرا اجتماعيا. الثقافة الصينية لم تنتشر بشكل جيد في العالم. اللغة الصينية انتشارها محلي فقط. بينما وفي الجوار هناك بلدان كثيرة أقل من الصين عدد سكان وقوة اقتصادية ومع ذلك استطاعوا على الأقل نشر ثقافتهم وترفيههم للمجتمع الدولي، بل حتى استقطابهم الرياضات القوية والجماهيرية اختفى بريقها عند دخولهم بوابة الصين. ثقافة العالم الشرق آسيوية أتت في الغالب من كوريا واليابان، حيث وصلت لعقول مجتمعات العالم المختلفة من خلال الرسوم المتحركة والموسيقى. فرقصة غانغام ستايل الشهيرة لا تزال في الأذهان، وحفلة الفرقة الكورية بي تي أس التي افتتحت بها هيئة الترفيه موسم الرياض، مشهد يقف عنده الجميع. التعداد السكاني دائما في صالح أن تكون لك الأسبقية في حجم الانتشار والتأثير. كل العوامل لدى الصين لكنها لم تستغلها.

الصين قوية في كل شيء تقريباً عدا الإعلام والقوى الناعمة. كان لديهم الفرصة لنشر ثقافتهم قبل الجميع منذ بداية نزوحهم للفلبين، وباقي آسيا وأوروبا وإفريقيا والأمريكتين، وبالأحياء المنتشرة في بقاع العالم. لكن الانكفاء على الذات وتوجيه الخطاب والممارسات الإعلامية داخلياً لا يصنعان صورة خارجية ولا يؤثر في العالم. ها هي الصين الآن ورغم كل الاتهامات التي تواجهها في أزمة كورونا ورغم استخدامهم لدبلوماسية الذئاب المحاربة، إلا أن الصوت الصيني هو الأضعف لأنها ببساطة ضعيفة إعلاميا.

طبيعة النظام الصيني هو ما أجبر هذا التنين الضخم والقوي بكثافته السكانية، على أن يكون أشبه بالحمل الوديع، ويكون صامتا بخجل ولا يؤثر خارجيا. النمو الاقتصادي الصيني الهائل الذي تحدثه يعطي تصورات وتنبؤات للمراقبين بأن العالم سيشهد إعادة تموضع في مصادر القوى. إلا أن أذرع ذلك التنين كافة، لن تحدث أي تأثير ما لم ترادفها قوة تأثير إعلامي وثقافي متسارعة قادرة على إعادة هيبته.

بلغة سقراط: تكلم حتى أراك، بموروثنا: «ما درينا عنك ياللي بالظلام تغمز».