جدة منال الجعيد

في وقت أكدت فيه أستاذة طب الأطفال والأمراض المعدية، المؤسسة لبرنامج الأمان الأسري الدكتورة مها المنيف، أن النساء والأطفال وكبار السن هي الفئات الثلاث الأكثر تعرضا للعنف في المجتمع، بين الأمين العام لجمعية حقوق الإنسان خالد الفاخري أن هذه الفئات الثلاث تتعرض للعنف بسبب ضعفها وعدم قدرتها على المواجهة، مبيناً أنها فئات تتنازل عن حقوقها مقابل الأمان داخل محيط الأسرة. وأشار الفاخري إلى أن «العنف ليس بالضرورة أن يكون عنفا جسديا كما هو متصور عند كثير من الناس، فقد يكون عنفا نفسيا مثل حرمان كبار السن من الخروج مع الأصدقاء، أو حرمانه من الحصول على نفقة إن كان لا يعمل أو حرمانه من اتخاذ القرارات المتعلقة باحتياجاته وشؤونه».

التأثير بالعاطفة

بيّن الفاخري أن «أساس التأثير على المرأة هو عاطفتها، فهي تتعرض للعنف في مسائل قد لا يراها البعض عنفا، مثل مساومتها على حضانة أطفالها، أو المساومة في إنهاء العلاقة الزوجية مستغلين ضعف ثقافتها القانونية، وكذلك أيضا طلب مقابل مادي لعدم منعها من الزواج»، مشيرا إلى أن ثقافة المرأة بحقوقها اختلفت في الوقت الحاضر بسبب توجهات ودعم الدولة لحقوقها، ووضع الإشكاليات التي تتعرض لها المرأة في عين الاعتبار وتوعيتها بما لها وما عليها من حقوق. وحول الأطفال أشار إلى أنهم الأكثر عرضة للعنف، بما فيه العنف الجسدي، والعنف اللفظي، إضافة لتعرضهم للعنف النفسي، والسبب في كل هذا هو ضعف الطفل ووقوعه تحت تأثير من هم أكبر منه سنا، فقد يتعرض الطفل لعنف في التربية، وقد يتعرض للحرمان من التعليم، والحرمان من الحصول على التطعيمات الأساسية لحماية صحته، ومؤخرا ما نشاهده عبر مواقع التواصل الاجتماعي من تصوير الأطفال بهدف زيادة المشاهدات، مبينا أن «الدولة سنّت القوانين والأنظمة التي تحمي الطفل حتى من ولي الأمر»، مشددا على أهمية التبليغ عن أي مصدر عنف يتعرض لها الأطفال أو الناس أو كبار السن، وذلك من أجل حمايتهم وتوفير البيئة السليمة والآمنة لهم.

مؤسسات المجتمع المدني

أوضح الباحث في علم اجتماع الجريمة الدكتور يزيد بن إبراهيم الصيقل أن إيذاء الأطفال والمسنين والنساء في كثير من المجتمعات يعد تحدياً لمؤسسات المجتمع المدني والجهات المختصة الساعية إلى تقليل معدلات الانتهاكات تجاههم والحد منها، وقال «الإيذاء وفقاً لتعريف النيابة العامة في المملكة هو كل شكل من أشكال الاستغلال أو سوء المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو التهديد به، ويرتكبه فرد تجاه آخر متجاوزاً حدود ما له من ولاية عليه أو سلطة، أو بسبب ما يربطه من علاقة أسرية أو إعالة أو كفالة أو وصاية، وقد اهتم مجلس الوزراء من خلال اعتماده نظام الحماية من الإيذاء عناية واهتماماً بالمجتمع».

العجز وعدم القدرة

أشار الصيقل إلى أن «الأسباب والدوافع التي تجعل بعض فئات المجتمع مثل الأطفال والمسنين والنساء أكثر عرضة للإيذاء هي عدم قدرتهم على وقف وردع المعتدي، إما للعجز وعدم القدرة، أو بسبب صلة القرابة، أو الترهيب والوعيد». وقال «يتعرض الطفل لأشكال عدة من الإيذاء اللفظي أو الجنسي أو الجسدي في المنزل أو المدرسة سواء من أقاربه الموثوقين أو الأغراب، وكذلك انخراط الطفل في سوق العمل في سن صغيرة على مستوى العالم، وكذلك نقص العناية والمتابعة وتوفير احتياجاته خصوصاً من الأب، كما أن ذوي الاحتياجات الخاصة من الأطفال قد يواجهون الإيذاء بمعدلات تفوق أقرانهم من الأطفال الطبيعيين، لذا فإن تنشئة الطفل وتربيته على ثقافة الحوار والإفصاح من الوالدين تجاه ما يواجهه في المنزل أو المدرسة أو الأماكن العامة يقلل معدلات الإيذاء». وتابع «إيذاء وإهمال الطفل واستخدامه كأداة لتصفية الحسابات بين الزوجين أو تعنيفه يلقي تبعاته على مراحل نموه، وقد يتعدى ذلك للتبول اللا إرادي واضطرابات التخاطب والانطواء، مما يتطلب تدخلاً فورياً ومهنياً لوقف الإيذاء».

أضاف الصيقل «يواجه كبار السن أشكالاً من الإيذاء المعنوي أو الجسدي مثل التقليل من المكانة الاجتماعية أو عدم الاهتمام والمساعدة، وقد لا يبادر المسن للإفصاح عن الإيذاء إما للحرج الاجتماعي أو للعجز»، مشيرا إلى أن عدم الاهتمام المعنوي والجسدي تجاه المسن وعدم تفهم احتياجاته وسلوكياته يعد من أشكال الإيذاء الذي قد يتطلب تدخلاً اجتماعياً أو مؤسساتياً، لذا نجد اهتماماً من الجهات الحكومية والأهلية بالمسنين مما أفرز جمعيات تعنى بهم، ومن ضمن هذه العناية التوعية تجاه حقوقهم، إن تقديم التسهيلات والخدمات والحقوق للمسن تعد من رد الجميل له، وتترك أثراً طيبا في نفسه. وقال «يتمثل إيذاء وتعنيف المرأة بنقص الاهتمام والعناية من الأسرة أو الزوج، إما لفظياً أو مادياً أو معنوياً أو جنسياً، لذا فقد أنشئت جهات رسمية تختص ببلاغات العنف الأسري ووحدات للحماية الاجتماعية ودور للإيواء إن لم يكن هناك سبيل للإصلاح من داخل الأسرة».

الإيذاء النفسي

رأى الأكاديمي، المستشار، المدرب المعتمد الدكتور سعيد بن علي الكريديس أن الشريعة الإسلامية قررت الحقوق والواجبات، وأولت اهتمامها ببعض الفئات، الوالدين، والأبناء والنساء، ومما تتميز به الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية أنها شُرّعت لحماية المصالح المعتبرة شرعاً، وأنها تتفاوت بين الشدة والتخفيف حسب المصلحة التي وقع عليها الضرر. وأضاف أن النظام السعودي مستمد من كتاب الله وسنة نبيه وما يصدره ولي الأمر من أوامر لا تتعارض مع الكتاب والسنة، فقد صدر نظام حماية الطفل عام 1436 متوجاً بالمرسوم الملكي رقم (م/‏14) بتاريخ 3/‏2/‏1436، ويهدف النظام لحمايته من كل إشكال الإساءة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو الاستغلال أو التهديد أو حتى الإهمال، سواء أكان ذلك في البيت أو المدرسة أو الحي أو الأماكن العامة أو دور الرعاية أو الأسرة البديلة أو المؤسسات الحكومية أو الأهلية، وترك تقدير العقوبة للقاضي المختص بقضايا الأحداث. أما كبار السن فقد أولتهم الدولة اهتمامها من حيث الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية من خلال الدور الاجتماعية لرعاية المسنين والمسنات المنتشرة في جميع أنحاء البلاد. وخلاصة القول أن الحكمة من حماية المرأة والطفل والمسن، لأنهم هم أكثر فئات المجتمع حاجة للحماية، وهم أكثر فئات المجتمع عرضة للعنف الاجتماعي والجسدي والنفسي، لضعفهم وعدم قدرتهم على انتزاع حقوقهم المشروعة من الأقوياء.