أصيل الجعيد

تكمن أهمية العقود في الالتزام القضائي بتطبيقها وحمايتها، ولكن بالنظر لعقود عدم إفصاح المعلومات NDA نلاحظ أنه لم يرد نص بأي عقوبة أو تعويض في حالة إفشاء المعلومات.

ومشكلة التشريع القانوني، المتمثلة في استحداث القانون، تعتبر سهلة وممكنة، لكن التحدي الأكبر هو في التطبيق القضائي، إذ إنه في حالة عدم التزام أحد أطراف العقد، وإفشائه المعلومات لطرف ثالث، وحدوث ضرر معنوي جراء ذلك، فإن القضاء لا يعوض المتضرر، وذلك لكون حساب تكلفة الضرر غير منضبط في كثير من الأحيان، ولكن هذا لا يعني عدم وقوع الضرر، فما هو الحل إذًا؟. الحقيقة أن الشريعة الإسلامية أدركت الضرر المادي أو المعنوي الذي لا يمكن حسابه بشكل منضبط، ومع أن الفقهاء لم يتناولوا مسألة التعويض المادي عن الأضرار المعنوية بشكل مباشر، إلا أنه وردت روايات عديدة ذكر فيها بألفاظ مختلفة هذا النوع من التعويض. ونورد على سبيل المثال ما جاء عن أبي يوسف في «الشجة إذا التحمت، ولم يبق لها أثر، فعليه أرش الألم، وهو حكومة عدل، والألم ضرر معنوي».

وفي رواية أخرى جاء زيد بن سعنة إلى رسول الله، عليه الصلاة والسلام، يطلب دينا له، فأخذ بمجامع قميصه وجذبه، وقال له: يا محمد ألا تقضيني حقي؟.. إنكم يا بني عبدالمطلب قوم مطل، وكان عمر بن الخطاب ينهر الرجل، فنظر إليه الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأمره قائلا: اذهب به يا عمر، فاقضه حقه، وزده عشرين صاعا من تمر،

ليستدل من هذه الرواية على التعويض المعنوي. وقد تكلم الفقهاء عن الأضرار المعنوية، وإن لم يصطلحوا عليها بهذا الاسم.

وفي الوقت الحالي، ربما يكمن الحل في صياغة عقود عدم إفصاح المعلومات، بحيث تتضمن وضع شرط جزائي بقيمة معلومة محددة، ضمن بنود العقد. وفي حال ارتكاب مخالفة الإفصاح، وثبوتها بالأدلة، يتم الدفع قضاءً بتنفيذ الشرط الجزائي.

وختاما، فإن الحزم والمسارعة في البت بمثل هذه الخلافات العلمية الشرعية ينعكسان على ازدهار القانون وفعاليته، ويطمئن المواطنين والمستثمرين على مصالحهم ورؤوس أموالهم.