سامي عبدالنور

انتشر مقطع عن الطيار الذي رافق أحد الركاب إلى الخارج، وتظهر فيه امرأة ترفض الركوب إلى جانب شخص لم يُطعم بلقاح «كوفيد-19»، وتحاول مضيفة الطيران تهدئتها، لكن دون جدوى، فيضطر الطيار إلى إخراجها.

تداول الملايين المقطع، وحدث زخم إعلامي هائل حول المرأة، التي يدعوها الناس، ذما واستنقاصا، «كارين». العاقل سيتساءل: أولا كيف عرفت أن الراكب لم يتلق التطعيم؟!، وسيتساءل عن عدم لبسها كمامة إن كانت تخشى لهذه الدرجة شخصا غير حاصل على اللقاح؟، وسيتساءل عن جودة الصوت في حوار هذين الشخصين، إذ إنه عادة يكون مناخ الطائرة مليئا بالضجيج؟، ولكن المشاهد العام سوف يلعن تلك المرأة من أول نظرة.

إن إدراك مصداقية المحتوى علم وفن، ولكن جزءا منه ثقافة يفترض أن تكون لدى الآخرين. المفاجأة بعد أن بحثت عن هويتها، وجدت أن ذلك المقطع لم يكن إلا تمثيلا من فيلم قصير، وهي بطلته. فاسمها ديانا ونتر، وهي ممثلة، وكذلك الطيار، والطائرة مؤجرة لهذا العمل الدرامي، إلا أن تداول الناس هذا المقطع بهذه الطريقة يعد نشرا للأخبار الكاذبة والمضللة.

المخرج عندما وضع الفيديو في «فيسبوك» أشار إلى أن الفيديو ترفيهي، لكن عندما تم تداوله لم يتم اقتباس التعليق!.

كما وجدت صورة أخرى لأحد أفراد الطاقم بعد التصوير في «فيسبوك».

وفي تصريح C.N.N، دارت شكوك حول مدى تسييس الفيديو، وتبقى التساؤلات كثيرة حول الهدف الحقيقي من المقطع!.

المؤسف هو أن التزييف أصبح طريقة لنيل المشاهدات والإعجابات، وخلق الضجة وإثارة الجدل، والأشد أسفا هو أن بعض الجهات تنشر الأخبار دون التحقق منها، وذلك بغاية السبق فقط، كما حصل في تلك التي قالوا إنها قامت بعمليات تجميلية، لتشبه أنجلينا جولي، ولم تكن إلا صورا معدلة بـ«فوتوشوب».

العتب على هذه المنابر الإعلامية، التي توقفت عن نشر الفائدة، وسعت إلى نشر التفاهات من أجل الرواج فقط.

المثال الآخر الحديث هو للكاتبة الدكتورة ميسون الدخيل، وهو مقال ساخر وتهكمي، يحمل في طياته عمقا لا يدركه السطحيون، فانهالت عليها الردود والتعليقات السلبية من قِبل المؤثرين المجتمعيين والصحف والجرائد.

وقد قرأت المقال بالحرف الواحد، وتعتبر الكتابة الساخرة أو التهكمية شكلا من أشكال الأعمال الأدبية والفنية، وهي تُفضِّل القارئ ذي العقل الجاهز للاستقبال وإدراك المغزى، ولم يكن هذا المقال سوى من هذا النوع الذي يتحدث إلى العقول الجاهزة.والآن لننتقل إلى الجزء التالي، لتناول القضية بأسلوب آخر للعقول التي باتت في تشوق لمعرفة المزيد.

إذن هؤلاء السطحيون لو أنهم أكملوا القراءة قليلا، لوجدوا في هذا المقال حلولا إيجابية مثل مقترح التقاعد المرحلي أو التدريجي.

شكرا لك دكتورة ميسون، لأنك بيّنت لنا أن غالبية القراء سطحيون، وأن غالبية المؤثرين مضللون ومتنمرون، وأن كثيرا من معدي المحتوى في الصحف والمواقع والصفحات حمقى وجاهلون.

يبقى السؤال مطروحا: متى تتولد ثقافة مكافحة الأخبار الكاذبة والمضللة؟، ومتى يتوقف الركوب على أمواج الترند؟.

أسأل الله اللطف، وألا أصبح عديم المشاعر يوما، وأخوض مع الخائضين من أجل «لايك» وقليل من «الشو».