جمال العبيريد

بنهاية هذا الأسبوع يحل الرئيس الأمريكي جو بايدن ضيفًا على السعودية، في زيارة هي الأولى له منذ توليه القيادة في البيت الأبيض، تعتبر العلاقات السعودية الأمريكية من أكبر التحالفات العالمية موثوقية واستدامة، إلا أنها مرّت بفترات باردة، كان أكثرها برودًا تخلّي الأمريكيين كقوة عظمى وعضو في مجلس الأمن عن دورها المسئول لحماية الأمن والسلم في الشرق الأوسط إبّان فوضى الخريف العربي، وهو ما جعل الكثير من الدول العربية تقع فريسة سهلة للتدخلات الأجنبية والحروب الداخلية وانعدام الأمن والاستقرار.

كما أن السعودية بمواقفها القوية كانت دائمًا ضد أي تماهي أمريكي أو تدخل عسكري داخل منظومة دول الجامعة العربية؛ فهي لم تؤيد القرار الأمريكي لغزو العراق، رغم أن نظام صدام حسين وقتها كان قد احتلّ الخفجي شرق السعودية، وتسبب في دمار كبير في البنية الخليجية النفطية، ولم يفتأ يهدد دول الجوار بشكل ممجوج، بعدها بسنوات اعترفت أمريكا بأن قرار غزو العراق كان قرارًا خاطئًا، وفقًا لتقارير غير دقيقة قدمتها إدارة الاستخبارات المركزية (CIA).

وبالرغم من ذلك، كانت العقود الثمانية الماضي زاخرة بالكثير من الإيجابيات للتحالف السعودي الأمريكي، بدءًا من مواجهة الثورة الإيرانية التوسعية والغزو العراقي الغاشم للكويت والحرب على الإرهاب وتخفيف حدة الصراع طويل الأمد بين الفلسطينيين والإسرائيليين حين قدمت السعودية مبادرتها للسلام لحل القضية الفلسطينية في القمة العربية في بيروت 2002، والتي لاقت توافقًا عربيًا واسعًا، بحيث تنسحب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية إلى حدود 1967، ومن هضبة الجولان وعودة الفلسطينيين إلى فلسطين، وتنفيذ قراري مجلس الأمن (242 و338) ليعترف العالم كله بفلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، غير أن الإسرائيليين وبعض الفصائل الفلسطينية لم ترقهم تلك المبادرة ورفضوا إتمامها.

لم يكن للشرق الأوسط أن يمر من خلال تلك الأزمات الجيوسياسية لولا متانة التحالف السعودي الأمريكي، ولا شك أن السعودية كانت شريكًا موثوقًا لأمريكا، كما هي لغيرها من الدول الصديقة حين دشنت المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف في الرياض خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية عام 2017، كما تستضيف السعودية المركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب، وساهمت في إيقاف الكثير من الهجمات الإرهابية في الدول الإسلامية ودول أوروبا وأمريكا بفعل التعاون الاستخباراتي الوثيق.

وباعتبار كل ما سبق، لم يكن التعاون الاقتصادي بين البلدين أقل متانة وموثوقية، بل تعتبر زيارة الرئيس الأمريكي بايدن من الأهمية بمكان لانتشال العالم من أزمة اقتصادية خانقة قد تقوده للكساد في ظل التباطؤ المتوقع لنمو الاقتصاد العالمي، لما للمملكة العربية السعودية من أهمية في ضبط بوصلة الاقتصاد العالمي.

لقد أظهرت البيانات للنصف الأول من العام الجاري أن الاقتصاد العالمي يمضى على نفس وتيرته للعام الماضي عند 3.5%، في حين تشير التوقعات إلى انخفاض نسبة النموفي 2023 عند 3.2%، وتقود الولايات المتحدة الأمريكية هذا التباطؤ عند 3.0%، متبوعًا بانخفاض متوقع في النمو في 2023 عند 2.1%، أما الصين فإن النمو لهذا العام يأتي أقل من المتوقع عند 5.1% مع انخفاض طفيف في العام القادم عند 5.0%، وبالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي فإن نموها سينخفض بشكل ملحوظ العام المقبل من 3.0% إلى 2.0% نتيجة عوامل كثيرة، أهمها بلا شك تبعات الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا.

أما اليابان فإن نموها الاقتصادي يتوقع له أن ينخفض بمقدار 0.1% من 1.7% حاليًا، والهند 7.1% مقابل 6.0% في 2023، والبرازيل 1.2% مقابل نمو إلى 1.5% في 2023، بينما ستتأثر روسيا نتيجة العقوبات والتحديات الاقتصادية لينخفض النمو الاقتصادي حاليًا من 6.0% إلى 1.2% في العام المقبل.

تمتلك السعودية وجارتها الإمارات القدرة على الإنتاج لأكثر من 2 مليون برميل يوميًا عند انتهاء الاتفاقية الجارية بين دول أوبك بلص، والتي تنتهي الشهر المقبل، غير أن هذا قد يحتاج لبضعة أشهر للوصول للطاقة الإنتاجية المطلوبة، وهو ما يجعل أوروبا وأمريكا في ضائقة قبل دخول العقوبات الغربية حيز التنفيذ ديسمبر المقبل، أيضاً سيكون من المهم جداً للرئيس بايدن كسب ثقة الناخب الأمريكي في معالجة قضية التضخم وارتفاع أسعار الوقود والمنتجات النفطية والكهرباء قبل الانتخابات النصفية نوفمبر المقبل، سيبقى على الأوروبيين والأمريكيين أيضاً الاستعداد جيدًا لموسم الشتاء الذي سيكون مكلفًا جدًا ما لم تتوصل الولايات المتحدة والسعودية لطريقة فعّالة لمعالجتها.

أيضاً يمكن للتقنية الأمريكية أن تعزز من قدرة السعوديين على التحوّل السريع نحو الاقتصاد النظيف، وتعزيز مكانتها في إنتاج الهيدروجين وتصديره، والتخلّي رويدًا رويدًا عن النفط كمصدر أساسي للطاقة، كما يهم السعوديين أن تقدم الولايات المتحدة دعمها لمشروع السعودية للشرق الأوسط الأخضر والمزدهر، فالسعودية تتطلع بقيادة الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان لإيقاف معاناة الشعوب العربية، وعودة الرخاء لدولهم واستتبات الأمن وتحسين مستوى المعيشة للدول العربية الشقيقة، من خلال وقف استنزاف الميزانيات في الحرب على الفكر المتطرف والإرهاب، ودعمها في وقف كل التدخلات الأجنبية في المنطقة التي آن لها أن تنهض لمصاف العالم الأول.

لقد كان هذا حلم السعوديين، فهل ستنجح هذه الزيارة المهمة تاريخيًا لأمريكا وللسعودية على حد سواء في رسم خارطة شرق أوسط مزدهر يعمّ فيه السلام وتسعد شعوبه بالطمأنينة وراحة البال، بعيدًا عن أيادي العبث والإرهاب، أثق في حكمة القيادتين بأن هذا الوقت هو الوقت المناسب.