فاطمة المزيني

تصفحت عددا من المواقع الفكرية الموجهة للأطفال، والتي تقدم معلومات في العقيدة والفقه والحديث والسيرة والآداب والأذكار وغيرها.

(ما لا يسع أطفال المسلمين جهله) هو كتاب يتم النقل عنه في مواقع مهمة، ويطرح أسئلة كبرى مع إجابات مقتضبة أرى أنها مربكة للطفل وبحاجة لإعادة النظر، ومع فهمنا لحسن نوايا القائمين على هذه المواقع وتقديرنا لجهودهمـ، إلا أنني أدعوهم لمراجعة شاملة لما يقدم في منصاتهم والانعتاق من اجتهادات المتقدمين.

مبدئيا فإن وزارة التعليم هي الجهة الرسمية المناط بها مسؤولية تعليم الأطفال وتثقيفهم ورعايتهم فكريا، وقد بذلت الوزارة جهودا كبرى في بلورة مناهج دينية تتلاءم مع أهداف الرؤية الوطنية ومتطلبات العصر الذي يعيشه الأطفال اليوم، لذلك ومن باب التكامل فإن أي منصة تخاطب الطفل ينبغي أن يشرف عليها متخصصون في التربية و علم نفس الطفل والأمن الفكري، لضمان حماية الأطفال من الأدلجة والفهم الخاطئ.

(ما لا يسع أطفال المسلمين جهله) نموذج لمنهج التقليد وتكرار للموروث الديني الفلسفي القديم وكأنه يخاطب أطفال القرن الثالث الهجري!

فتجد مواضيع كالولاء والبراء والجهاد في سبيل الله والبدع والمعجزات وغض البصر عن المرأة الأجنبية!

أما فيما يتعلق بالأخلاق والآداب، فلا نجد إلا القليل حول القيم المعاصرة كاحترام القانون والتعايش وقبول المختلف واحترام التعددية وتقدير المرأة وأهمية الخدمة الاجتماعية والاهتمام بالبيئة وحماية الحيوان وغيرها من المفاهيم والقيم التي تؤهل الطفل للحياة الطبيعية المتفوقة في هذا العصر.

علينا أن نفهم أن أطفال اليوم يعيشون زمن الدول المدنية الحديثة، زمن القرارات الأممية والمواثيق الدولية، وزمن القانون والمساواة والانفتاح المعرفي والاقتصادي، والتعايش السلمي بين أبناء الأرض. فأي قيمة إذاً ستنتج من تدريس الأطفال مفاهيم تؤدي بهم لرفض المختلف؟ وأي فائدة تنتظر من إشغال عقل الطفل بفكرة وجود أعداء للإسلام يتحتم عليه إعلان البراءة منهم!! وأي سلوك نحاول خلقه لدى الطفل من تأطير نظرته للمرأة!

ثم كيف يتصرف الطفل إذا خرج إلى مدرسته ومجتمعه فوجد المرأة حوله في كل مكان، ووجد جيرانه وأصدقاءه يحتفلون بالمولد النبوي أو بميلاد المسيح؟

وقد أثبتت التجارب الماضية أن التركيز الشديد على التعليم الديني في مرحلة الطفولة هو فعل خطير ومشتت، وغالبا ما ينتج شخصيات دوغمائية متطرفة يمينا أو يسارا تستهلكها الجدليات وتقلل من إبداعها.

امنحوا الأطفال بعض الوقت لاكتشاف الأرض التي جاؤوا إليها، لا تجتهدوا في وضع اللافتات أمام عقولهم التي تحبو، وتأكدوا أنه سوف يأتي الزمن الذي يطرحون فيه الأسئلة وحينها لن يكتفوا أبدا بالإجابات المعلبة التي نقدمها لهم، فالعقول الميالة للاكتشاف لا تنجو من غواية المعرفة.

يوما ما سيقرأ أولادكم كتب الفلاسفة وأفكار المتطرفين والكتب المقدسة لكل الأديان والملل، سيزورون المعابد والمقابر والمدن المقدسة لغير المسلمين، وأفضل ما تزودونهم به في رحلتهم نحو المعرفة، هو إعطاؤهم المساحة اللازمة لتكوين عقل شجاع وناقد. قادر على التساؤل الحر والاستقراء الذكي والتموضع المنطقي بين المتناقضات.

بدون هذا فإنهم واقعون - لا محالة - في فجوة ثقافية تضعهم على مفترق طرق بين نظريتهم الدينية وواقعهم الاجتماعي المتنوع.