عواجي النعمي

نبدأ من خلال قصة صحفي أمريكي يدعى (جرانت وول) ادعى أنه تم احتجازه بعد محاولته دخول إستاد رياضي في قطر، الدولة المنظمة حاليًا لفعاليات كأس العالم، وأن تهمته أنه يلبس قميصًا عليه ألوان (مجتمع الميم)، والذي يعد فعلًا غير مقبول في العديد من الدول العربية والإسلامية. وبعد نشر الصحفي لهذه الحادثة تلقفتها الصحف الغربية، وبدأت في مهاجمة الدولة المنظمة والتنديد بما سمته التضييق على الحريات.

وقبل ذلك كانت منظمات حقوق الإنسان ذات التوجهات السياسية، تشن حملة على دول الخليج والتي سنت قوانين لمحاربة المخدرات والمروجين وتنفيذ الأحكام عليهم وفق الشريعة الإسلامية. إلا أن منظمات حقوق الإنسان كانت أكثر عطفًا على المجرمين والمهربين من استهداف مجتمع أو القضاء على شبابه ومقدراته. ولعل هؤلاء لم يفهوا جيدًا أن مبدأ الوصاية والتدخل في قيم المجتمعات لم يعد مسموحًا به، وأن شعارات الحرية ومنظمات حقوق الإنسان قد انكشف زيفها واتضحت أهدافها الخبيثة، وأن لكل دولة ومجتمع قيمه ومبادئه وتشريعاته التي يجب احترامها وتقديرها وعدم المساس بها. والغريب جدًا أن هؤلاء المستعمرين الجدد عندما تم الرد عليهم بضرورة احترام ثقافات البلدان وقيمها وأنه ليس من حقهم مطالبتنا بأن نكون نسخة طبق الأصل منهم، وأن عليهم اتباع واحترام القوانين والأنظمة، فيردون بأنهم القدوة العالمية التي يجب علينا الاقتداء بها لنكون مجتمعًا متحضرًا ورائدًا!!

يقول الكاتب والصحفي الكيني (باتريك غاثارا): (إنه لطالما طالب المستعمرون بـ «الحق» في الدفاع عن أنفسهم ضد مقاومة السكان الأصليين حتى لو تم ذلك بارتكاب القتل الجماعي، وتاريخ الاستعمار الغربي حافل بهذه الممارسات). ويستخدم الغرب التعتيم الأخلاقي لتبرير الهجمات التي يشنها لتشويه معتقدات وقيم وقوانين الشعوب والمجتمعات التي تقاوم تلك التوصيات الغريبة والمفروضة عليها. ومن المهم معرفة خطر الأخلاقيات المزعومة على المجتمعات خلال فترة الاستعمار، وكيف استخدمت ذريعة الأهداف الأخلاقية لتدمير المجتمعات التي تم استعمارها، وكما هو معروف فالدول المستعمرة اعتمدت على نشر الفساد والجهل والتفرقة والحزبية لتتمكن من السيطرة على الدول المستعمرة وتستولي على مصادرها.

وحجج المناداة بالإصلاحات وحقوق الإنسان وحقوق مجتمع الميم، ليست إلا نوعًا من هذا الاستعمار الأخلاقي الذي يحاول المستعمر الجديد أن يفرضه على الشعوب للتخلي عن قيمها ومبادئها وقوانينها، وأن عليهم اتباع ما يملى عليهم من تعليمات دون مناقشة أو اعتراض.

ونظرًا لصعوبة عودة الاستعمار العسكري، ظهر هذا النوع من الاستعمار تحت أغطية التحجج بالحريات وحمايتها، ودمج الأفكار الشاذة بمبادئ الإنسانية العظيمة.

إن نشر مبادئ الانحلال سوف يؤدي تلقائيًا إلى فساد الضمير المجتمعي، فيصبح المجتمع أسيرًا لشهواته ومبتعدًا عن آماله وطموحاته ومتخليًا عن قيمه ومبادئه. ويتضح مما سبق أن الاستعمار متعدد الوجوه، ولكنه لا يختلف من حيث الأثر التدميري على الشعوب والمجتمعات، وحان الوقت لمحاربة كل أنواع الاستعمار، والتصدي لكل سبله، والالتزام برسالة أن لكل مجتمع مبادئه وقيمه وقوانينه، التي يجب احترامها وعدم التعرض لها أو التقليل منها.