محمد سعيد كمال

محمد سعيد كمال

في شرقي مدينة الطائف، وعلى بعد خمسة أكيال (ك. م) تقريبًا من جامع ابن العباس بالطائف، يقع هناك واد من أجمل أودية الطائف، وألطفها هواء، وأعذبها مــاء، وأجودها تربة، ذلكم الوادي هو: (وادي نخب) المشهور بوادي النمل.

يحد هذا الوادي شرقًا وادي (لية) وقراه وجباله، ويحده غربًا: حجرة الأشراف ذوى سرور المعروفة بهضبة الشهداء، وملك الأشراف الشنابرة سكان (السداد)، وشمالا (حمى سيد) المشهور، وجبل شمرخ المطل على بساتين (الجال) وجنوبًا (الحليفة) التابعة للأشراف الفعور.

ونخب بفتح النون وكسر الخاء المعجمة قرية مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوته إلى الطائف من طريق لية حيث سلك بين لية ونخب في طريق يقال لها الضيقة، فلما توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها، فقال: ما اسم هذه الطريق؟ فقيل له: الضيقة. فقال: بل هي اليسرى. ثم خرج على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة. قال الحافظ أبو الطيب تقي الدين محمد بن علي الفاسي المكي في كتابه شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، بسنده عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: وأقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لية. - قال الحميدي: مكان بالطائف - حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند طرف القرن الأسود حذوها، فاستقبل نخبًا - قال الحميدي: مكان بالطائف يقال له نخب - ببصره ثم وقف حتى اتفق الناس ثم قال: إن صيد وج وعضاهه حرام محرم لله عز وجل، وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفًا، روينا هذا الحديث هكذا في الأول من مشيخة العسوى عن الحميدي وهو في سنن أبي داود ومسندا بن حنبل، وإسناده ضعيف على ما قــــال النووي، وقال البخاري: لا يصح، وقال في الإيضاح: ويحرم صيد وج وهو واد بالطائف لكن لا ضمان فيه انتهى.

وذكر المحب الطبري في تحريم صيد وج احتمالين، لأنه قال: وتحريمه يحتمل أن يكون على وجه الحمى له وعليه العمل عندنا، ويحتمل أن يكون حرمه في وقت، ثم نسخ. قال: ونخب بفتح النون وكسر الخاء المعجمة واد بالطائف وقيل هو واد بأرض هذيل: والقرن جبل صغير ورأسه مشرف على وهدة، ونقل هذا الأثر عن الفاسي جمع ممن أرخ للطائف مثل الشيخ محمد بن عبد العزيز بن فهد القرشي المتوفى في سنة 594هـ في كتابه تحفة اللطائف، في فضائل ابن العباس ووج والطائف. والشيخ حسن بن علي بن يحي العجيمي المتوفى سنة 1113. في كتابه إهداء اللطائف من أخبار الطائف والشيخ أحمد بن محمد بن احمد الحضراوي المتوفى سنة 1327هـ. وما أشير من أن نخبًا هو واد الهذيل لعله كان سكناهم سابقًا، وفي اعتقادي أن نقل صاحب شفاء الغرام، ومن سبقه كابن منظور، في نقله عن الاخفش أن نخبا واد بأرض هذيل، هو وهم منهم، لأنهم سمعوا أبا ذؤيب الهذلي يصف ظبية وولدها:

لعمرك ماعيناء تنسا شادنا

يعن لها بالجزع من نخب النجل النجل

النجل: النز، وإضافة إلى النجل لأن به نجالاً، كما قيل نعمان الأراك:

لأن به الأراك.

أراد: من نجل نخب، فقلب، لأن النجل الذي هو الماء في بطون الأودية جنس، ومن المحال أن تضاف الأعلام إلى الأجناس، لما رأوا أن هذا الاستشهاد لشاعر من هذيل وظنوا أن الوادي لهذيل أيضًا، وقد ذكر العجيمي في تاريخه عن المرجاني، أن نخبًا عقبة في جبل، وهو الآن قرية يسكنها جماعة من عتيبة يقال لهم (وقدان) وفيه مزارع وآبار، ولقد وهم المرجاني رحمه الله في ذلك أيضًا اذ كيف يصح أن يكون (نخب) عقبة في جبل وبه مزارع وآبار، وإنما هو واد كما ذكرنا.

ولعل الذي أوقعه في هذا الوهم هو ما جاء في كتاب السيرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من لية في طريقه إلى نخب، سلك طريقًا في ثنية، فسأل عن اسمها. فقيل له الضيقة، فقال بل اسمها اليسرى، فظن المرجاني أن هذه العقبة والطريق هو موضع نخب مع أنها معروفة قبيل لية بين نخب ولية، ومن رواية ابن إسحاق: أن الحرب لما لجت بين بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وبين الأحلاف من ثقيف، وهم ولد عوف بن قي، لأن الأحلاف غلبوا بني نصر على جلدان، فلما لجت الحرب بينهم اغتنمت ذلك إخوتهم بنو مالك بن ثقيف، هم وبنو جشم بن قسي، لضغائن كانت بينهم، فصاروا مع بني نصر يداً واحدة. فأول قتال اقتتلوا فيه يوم الطائف. فساقتهم الأحلاف حتى أخرجوهم منه إلى واد من وراء الطائف، يقال له نخب، وألجؤهم إلى جبل يقال له: «التوأم»، فقتلت بني مالك وحلفاءهم عنده مقتلة عظيمة. وهناك جبلان بهضبة الشهداء الجنوبية لا يزال اسمها معروفًا حتى الآن باسم (التومان) ولعلها محرفة عن ذلك الاسم، وقال الشيخ محمد بن عبد الله البليهد رحمه الله في كتابه صحيح الأخبار نقلًا عن البكري روى أبو داود وقاسم بن ثابت من طريق عروة ابن الزبير عن أبيه، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لية فلما صرنا عند الدرة وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرف عند القرن الأسود، واستقبل نخبًا ببصره، ووقف حتى اتفق الناس كلهم، وقال إن صيد وج وعضاهه حرم محرم لله، وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفًا.

وظننت القرن الأسود هضبة الشهداء أو ما يعرف هناك بجبال التومان لأن من بعد هذه الهضبة وهدة منخفضة من ناحية المشرق مما يلي نخب، إلا أن بعض العارفين أكد لي أن القرن الأسود، هو هضبة سوداء تقع شمالي مسجد (وادي النمل)، على بعد ثمانين مترًا منه وهو ما يعرف الآن بجبل الغراب.

وقال ابن بليهد (نخب من الأودية العظام يقع جنوبي الطائف على طريق الحجاز معروف بهذا الاسم إلى هذا العهد وهذا الوادي فيه أحجار لم أر مثلها، كبيرة الحجم جدًا حتى أنك لترى الحجر منفردًا وترى الحجر عليه حجر ثاني، لا يقدر أن يضعه فوقه مئات من الناس وعليه حجر ثالث مثله رأيت جملة من الأحجار على هذه الصفة، وهو بين وادي الطائف ووادي لية، لقوم يقال لهم وقدان، هم أهله، في هذا العهد وهم من العرب، لكنهم ليسوا من ثقيف ولا من عتيبة على ما ظهر لي ). وسيأتي تقرير كلامنا أنهم من عتيبة بل من أصل قبيلة بني سعد ابن بكر الذين منهم حليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم.

1967*

* مؤرخ سعودي «1915-1995»