الدمام: أماني العطاس

تخطت تكاليف الزواج وما يلحق بها من إضافات سقف احتمال كثيرين، حتى وصل الأمر بالبعض إلى حد إطلاق بيانات وزعت في مواقع التواصل الاجتماعي، وقدمت على أنها بيانات بأسماء نساء قبائل عربية، تطالب بتقنين التكاليف والمناسبات التي باتت ميدانا للتباهي من جهة، وساحات لإرهاق المقبلين على الزواج وأسرهم من جهة أخرى.

وكشفت إحصائية رسمية صدرت قبل عامين تقريبا عن تكاليف الزواج في المملكة، مستندة إلى معلومات أخذت من عينة من المأذونين الشرعيين، وبينت أن تلك التكاليف تختلف حسب المناطق، مشيرة إلى أن مدينة الأحساء في المنطقة الشرقية تعد أعلى مناطق المملكة في تكاليف الزواج وبنحو 100 ألف ريال، تلتها سكاكا (90 ألف ريال)، فيما كانت أقل المحافظات في التكاليف هي خميس مشيط (40 ألف ريال) تليها محافظة القنفذة (45 ألف ريال).

وأظهرت بيانات هيئة الإحصاء العامة في 2022 أن متوسط تكاليف الزواج في المملكة ارتفع بزيادة إجمالية تصل إلى 32% على المستوى السنوي، وبزيادة شهرية تصل إلى 5%.

وأشار تقرير المرأة السعودية 2022 إلى أن عدد السعوديات اللواتي لم يسبق لهن الزواج وأعمارهن تتراوح بين 20 و24 عاما بلغ 596455 فتاة، وبين 25 و29 بلغ 303603، وبين 30 و34 عاما 141225، وبين 35 و39 عاما 81775، وبين 40 و44 بلغ 44935، وبين 45 و49 بلغ 223399 فتاة، وهذه أرقام توضح مشكلة العزوف عن الزواج، والتي يعد أهم أسبابها ارتفاع التكاليف، التي باتت مشكلة حقيقية وجدية.

ميدان للمباهاة

لا تقتصر تكاليف الزواج فقط على المهور المرتفعة والتي دفعت كثيرين للتبرم من المغالاة فيها وتحولها إلى عبء يرزح الزوج تحته سنوات طويلة حتى بعد زواجه مع انعكاسات هذا الأمر السلبية على وفاق الزوجين وراحتهم لاحقا، بل تشمل كذلك حفلات الأعراس التي باتت مناسبات للتباهي والتفاخر، إضافة إلى سطوة عادات وتقاليد دخيلة عمياء مثل «الدزات» التي ترهق كاهل الأسر.

والدزات كما تعارف عليها كثيرون هي هدايا وحلي وذهب وغيرها ترسل إلى بيت العروس في حفل القران، وصارت بدورها مجالا للتباهي عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان «دزة فلان» حيث يتنافس الجميع على المغالاة فيها، ويدعى عليها الأصدقاء والأهل.

كما تضاف طريقة تقديم المهر بتصاميم مكلفة لا يستفاد منها شيء، وكذلك حفلات الملكة التي أصبحت تعادل قيمة زواج كامل إلى التكاليف ليصبح الأمر فوق الاحتمال، ومن هنا يمكن تفسير الدوافع التي حركت مبادرات من قبائل معروفة لتداول بيانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تدعو وتطالب بالحد من صور المغالاة والتباهي المبالغ فيها بما فيها الإعانة على الزواج.

اختلاف الأسباب



يرى الأخصائي الاجتماعي فؤاد المشيخص أن تكاليف الزواج تختلف من منطقة إلى أخرى، وأنها متحركة وغير ثابتة، وترجع إلى عدة أسباب من أهمها حسب رأيه العادات والتقاليد التي تختلف بحكم اختلاف الثقافات والمرونة، إضافة كذلك إلى الانفتاح وتداخل الثقافات وهو تأثير جاءت به على الأخص وسائل التواصل الاجتماعي التي تركت أثرا كبيرا في ارتفاع تكاليف الزواج من خلال التقليد.

وقال «تضاعفت تكاليف الزواج خصوصًا في السنوات الأخيرة حيث دخلت عليها أمور إضافية، كما أن ما يمكن أن نسميه التحكم بالمطالب من قبل العروس وأمها اللتين تفرض كل منهما شروطا وإضافات تزيد من التكاليف تحت عناوين مختلفة (كل الأعراس كذا) أو (بنتي من حقها تفرح) و(بنتي مو أقل من غيرها)».



ممارسات متشابهة

تجزم الكاتبة، المستشارة في العلاقات العاطفية والزوجية الدكتورة هيا الكندري، أن الممارسات في المجتمع السعودي وحتى الخليجي ككل تبدو متشابهة لتشابه هذه المجتمعات وقربها الشديد من بعضها بعضا، وتقول «تتشابه هذه المجتمعات حتى في انتشار وتلقي العادات الدخيلة التي أصبحت ثقافة عامة وسائدة في المجتمع، وباتت تُمارس وكأنها شيء عادي، فالزواج هذه الأيام موضوع حساس جدًا لأنه فقد بساطته مقارنة بما كان عليه حاله في الماضي، والأغلب تهمهم الشكليات والماديات، وكأن هناك تحدٍ تحت عنوان «من يصرف أكثر في الأعراس والمهور»، وساهم اجتياح السوشال ميديا لكل تفاصيل حياتنا في تعزيز صور المغالاة للتصوير والاستعراض والتباهي، ولكي نعرف حجم المشكلة علينا أن نسأل أنفسنا: من يتحمل كل هذه التكاليف؟.. الزواج صار مرهقا ليس فقط للمقبل على الزواج، بل على أهله، لأنه من الاستحالة أن يوفر شاب في مقتبل العمر مقبل على الزواج كل هذه التكاليف».



تنافس سلبي

يوضح عبدالعزيز المبارك، المهتم بالشأن الاجتماعي، أن المبالغة في فعاليات ومظاهر الزواج والتبعات المصاحبة قبل وبعد الزواج تعود إلى التنافس السلبي بين الأسر والأفراد، وكذلك المباهاة على الرغم من الارتفاع العام للأسعار في جميع أنحاء العالم.

وقال «العادات المصاحبة للزواج موجودة منذ القدم ولكنها تتطور وتتحدث عبر الزمن، وتُستحدث عادات جديدة تفد وتأتي من مجتمعات أخرى، والسبب في ذلك سهولة الوصول إليها مع تقدم التقنية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ولا شك أن هذه العادات تمثل عبئا إضافيا على كاهل الزوجين تضطرهما إلى الاقتراض وتحمل الديون، فقط لمجاراة المجتمع ومواكبة عادات مستحدثة دخيلة، حتى أننا بتنا نرى اليوم حفلات لأسباب غريبة مثل توديع العزوبية والهدايا المبالغ فيها لأسرة العروس، واشتراط شروط تعجيزية كمؤخر المهر الكبير، وما إلى ذلك».

ويمكن فهم تأثير تحمل الديون التي ترتبها تكاليف الزواج على عاتق الزوجين بكثرة عدد حالات الطلاق التي يعد الوضع الاقتصادي للزوجين من بين أسبابها ذات التأثير المهم، حيث يشير تقرير المرأة السعودية 2022 إلى أن عدد المطلقات من عمر 15-19 بلغ 2436 ومن الفئة 20-24 بلغ 18406 ومن الفئة 25-29 بلغ 43978 ومن الفئة 30-34 بلغ 54193 ومن الفئة 35-39 بلغ 53473 ومن الفئة 40-44 بلغ 46695، وهذه أرقام كبيرة تستحق النظر في أسبابها.

تكاليف جانبية باهظة

يعود المشيخص ليعمم، ويؤكد أن المشكلة لم تعد حكرا على تكاليف ليلة الزواج، ويقول «حتى حفلات الخطوبة باتت من حيث التكاليف، تعادل تكاليف ليلة الزواج الدخلة، وصارت لها شروط من حيث التجهيزات والتحضيرات وعدد الحضور، مما يجعل حفل العقد معادلا في كلفته لليلة العرس، وهناك الهدايا التي تقدم والتصوير وإحياء ليلة العقد وليلة العرس والملابس ونوعية الطعام والميز المطلوب».

وتصر الدكتورة الكندري على أن التكاليف المتعلقة بالزواج يجب أن ترتبط بالواقع الحقيقي وليس بواقع وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه من حالة من التوهان وحب المبالغة والمباهاة، ورأت أن التكاليف المنطقية شاملة المهر وتكاليف حفلة العرس يجب ألا ترهق كاهل العريس، إذ لا منطق في أن يبذر تكاليف عالية على يوم واحد ومن ثم يقضي بقية عمره في سداد الديون التي رتبها عليه ذلك اليوم، وتقول «أرى أن في الأمر الذي يتم على هذا النحو سذاجة، ولكنها للأسف ثقافة عامة، وأنا أعرف أن أهل الخليج عموما يحبون البهرجة، فنحن شعوب تحب الرفاهية، ولا أستطيع تجاهل ذلك، لكن يجب أن تكون لنا وقفة بصوت واحد ويد واحدة لتغيير الأشياء الطارئة السلبية على مجتمعنا، وأنا واثقة أنه مع مثل هذه الوقفات ستتغير حتى تكاليف إيجار صالات الأعراس وهذا كله سيسهم في مساعدة الشباب على الزواج».

تدخل رسمي

لا يرى المشيخص ضيرا من التدخل الرسمي للحد من ارتفاع تكاليف الزواج في المملكة، بل ويصر على أننا نحتاج إلى مثل هذا التدخل لأنه ربما يكون الوسيلة الأنجع والأوضح انعكاسا على المجتمع، وقال «لا بد من وضع تشريع يحد من هذا التصاعد في التكاليف، خصوصا أن الإحصائيات الرسمية الأخيرة تدل على وجود عزوف عن الزواج».

ويؤكد عبدالعزيز المبارك أن «هناك فئة بدأت تضجر من صور المغالاة، وهناك تفكير ناضج لدى البعض يدل على وعيهم بمخاطر العادات الدخيلة المتعلقة بالمغالاة، وخاصة بعد رؤية نتائجها على الأزواج وتأثيرها على نجاح الزواجات وما تسببه من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية على الطرفين».

وأضاف «انتشار البيانات المتداولة من نساء قبائل معروفة على وسائل التواصل الاجتماعي من دول مجاورة نتاج طبيعي لتداعيات هذه المبالغات، وهي مبادرات جميلة، ولكن تفعيلها يحتاج أولا إلى التزام المجتمع بها، ونحن ندرك أن جزءا من هذا المجتمع سيتقبل الأمر ويلتزم به، فيما لن يتقبله جزء آخر، ويبقى الأمر رهنا للوعي وإدراك أبعاد مشكلة التكاليف الخطيرة، وكل البيانات ستبقى مجرد كلام إن لم تتبنى تطبيقها مجموعة من الأسر والعوائل».

وضع معايير

لا ينكر المشيخص وجود تحركات اجتماعية لمساعدة المتزوج عبر تحديد تكاليف الزواج ووضع معايير وشروط، ويقول «أكثر المغالاة والمباهاة تأتي بصورة فردية بعيدة عن الالتزام بالمعايير التي يحاول المجتمع تحديدها وفرضها، ونحن نحتاج إضافة إلى ما يُتداول في وسائل التواصل من المبادرات والبيانات إلى نشر ثقافة الحد من تكاليف الزواج والمباهاة، وهذا يأتي بجهد رسمي وشعبي وبصورة مستمرة، كما نحتاج أن نربي أولادنا على عدم التفاعل والتقليد لهذه المظاهر».

وتعتقد الدكتورة هيا الكندري أن «الكلمة تؤثر، وإذا اجتمعت عليها مجموعة فسيكون تأثيرها أشد، وبالتالي أتوقع أن تسهم هذه المبادرات والبيانات التي ظهرت أخيرا في تصحيح السلوك وتعزيز الصحيح منه في المجتمع حتى يصبح قابلا للتنفيذ من قبل الجموع، فانتشار بيانات من هذا النوع يمكن أن يسهم في رفع الوعي المجتمعي بما يخص تكاليف الزواج».

تكاليف الزواج في بعض المناطق

(حسب إحصاء رسمي استند إلى عينة من المأذونين الشرعيين)

الأحساء

100 ألف ريال

(الأعلى بين مناطق المملكة)

سكاكا

90 ألف ريال

(ثاني المناطق)

خميس مشيط

40 ألف ريال

(أقل المناطق)

القنفذة

45 ألف ريال

(ثاني الأقل في المناطق)