اتفقت عدة مصادر يمنية على أن الضربات الأمريكية الأخيرة ضد المليشيات الحوثية في اليمن جاءت للمرة الأولى بهذه القوة والدقة والعنف، مشيرة إلى سقوط عدد كبير جدا من قيادات الحوثيين بشكل عام، وأن ثلاثة مواقع تم استهدافها بالضربات وهي الحديدة والحزم في الجوف وصعدة، شهدت مقتل أعداد كبيرة من الحوثيين، بينهم أكثر من 130 قتيلا من القيادات المختصة والمهمة بين فنيين وخبراء وقيادات عسكرية كبيرة.
وبينت المصادر أن إحدى الضربات في الحزم بالجوف استهدفت مركزا كبيرا لإنتاج الطائرات المسيرة المائية كان يشهد حين الضربة اجتماعا لقرابة 60 شخصا بين قيادات ومدربين ومشرفين، إضافة إلى نجاح إحدى الضربات باستهداف كهف في صعدة يعد من أكبر مخازن الأسلحة وقطع الطائرات المسيرة والصواريخ، ويضم عددا من مكاتب قيادات حوثية وخبراء.
وأوضحوا أن الضربة في جبل شعيب صدمت الحوثيين لعلمهم القاطع بشح المعلومات عن وجود مركز عسكري كبير بالجبل، يضم أعدادا كبيرة من القيادات والعسكريين والخبراء الذين تم قصفهم في العمق.
خلط كبير
يقول الخبير، المحلل السياسي علي الشبعاني لـ«الوطن» «هناك خلط لدى كثيرين فيما يسمى قيادات الصف الأول وغير الأول، ولذا فإن هذه المسميات غير صحيحة، وما يجب معرفته أن هناك عددا كبيرا جدا من القيادات الحوثية التي تمثل أهمية قصوى في صفوف الجماعة دون تجزئة إلى صفوف أولى وثانية وثالثة، وجميع تلك القيادات مترابطة مع بعضها بعضا، ولا تنقص مسؤوليات بعضها عن بعض، وإن كان أغلب الظهور ينحصر بأسماء معينة معروفة، إلا أن هناك أسماء لا تقل أهمية عنها، إن لم تكن أكثر أهمية، ولذا فإن فقدها يمثل ضربة قوية مؤلمة للجماعة أكثر من تلك الأسماء معروفة الظهور، وهنا يجب التفريق بين الأسماء المدرجة على قوائم الإرهاب وما يسمى الصف الأول».
تغيير في المعادلة
يشدد الخبير العسكري والإستراتيجي، العميد الركن محمد عبدالله الكميم في حديثه لـ«الوطن» على أنه مهما حاول الحوثيون التعتيم والتضليل المعلوماتي على عدد قتلاهم واستهداف منظومتهم العسكرية بدقة عالية من الضربات الأمريكية، إلا أن الحقيقة والأدلة والمعلومات المؤكدة تكشف عكس ذلك، وقال «أحدثت الضربات الأخيرة تغييرا كبيرا في المعادلة، فبعدما كانت الضربات في عهد الرئيس السابق جو بايدن مغازلة ناعمة للحوثيين وضربات شكلية في مساحات زراعية بعيدة ومواقع عسكرية مهجورة زادت حينها من ثقة الحوثيين، فإن الضربات الأخيرة في عهد الرئيس دونالد ترمب اتسمت بالجدية، وتميزت بتغطيتها كل الجغرافيا التي تسيطر عليها المليشيات وكامل مسرح العمليات، كما أنها ضربات دقيقة، وحسب المعلومات فقد استهدفت للمرة الأولى مناطق جديدة لم يسبق استهدافها من قبل، وهو ما فاجأ الحوثيين، مثل جبل النبي شعيب، وجبهات قتالية جديدة في الجوف، مع التركيز على المعقل الرئيس للميليشيات في صعدة».
وأضاف «تم استخدام طائرات جديدة وقاذفات بي 52 الإستراتيجية، ما يعني استخدام ذخائر ثقيلة وقنابل شديدة الانفجار يمكنها الوصول إلى أعماق الأرض، إضافة لاستخدام المقاتلة الشبحية أف 36».
وواصل «مع التطور الملحوظ والكبير لتلك الضربات المتوالية التي أصابت أهدافا دقيقة، واستهدفت كذلك المقرات السياسية مثلما حصل في الجراف، والمقرات الإعلامية، واستهدفت بعض القيادات، وركزت بشكل مباشر على البنية الرئيسة لمحطات إطلاق الصواريخ».
وأكمل «هذه الضربات لن تقضي على مليشيا الحوثي، فقد تكون هناك عوامل تساعد القيادات الإرهابية منها الجغرافية والتضاريس اليمنية الوعرة، وتمرس الحوثي بالتخفي والتحصن بالجبال وصناعة الأنفاق والكهوف العميقة التي قد تعيق تماما وصول الضربات إلى مستوى القضاء على القيادات، والدليل أنه مازال هناك حتى الآن صواريخ ومسيرات تطلق، وما يزال الوقت مبكرا للحكم على الضربات من حيث فاعليتها».
سياسة الكتمان
يؤكد العميد كميم أن الحوثيين دأبوا على عدم إعلان قتلى قيادات الصف الأول تحديدا، وهو ما فعلوه مع ضربات التحالف العربي، حيث لم يتم الكشف عن ضحاياهم وقتلاهم من الصف الأول إلا بعد سنوات من مقتلهم، وهذا تكتيك يعتمده الحوثي للحفاظ على معنويات الجماعة، والمحافظة على البنية الهيكلية لها، ومحاولة التعويض سرا، ولذا فالمعلومات شحيحة في هذا الجانب.
قيادات مستهدفة
يوضح الكميم أن الضربات الأخيرة ركزت على منصات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة ومخازن الأسلحة ومشاة إنتاج الطائرات المسيرة المائية، وهنا يتأكد أن التركيز على القيادات الفنية أو القيادات التي تعتمد عليها الميليشيات مثل الخبراء والفنيين ومنظومة القيادة، ولا شك أن هناك قيادات كبيرة سقطت وقتلت وتمثل قوة للحوثيين، وليس شرطا أن تكون من الصف الأول.
ويبين: أوقف الحوثي التواصل عبر الجوالات ومنظومة الاتصالات العسكرية المعروفة، وبدأ استخدام البدائل الطارئة التي تعتمد على المرافقين أو المسؤولين الأمنيين، عندما يكون القيادي الحوثي في منطقة معينة، يكون هناك مسؤول أمني على مسافة بعيدة منه، قد تكون 4 كيلومترات أو أكثر يستقبل الاتصالات والتعليمات والشفرات بطريقة معينة، إضافة إلى استخدام تغيير نغمة الصوت، حتى يصعب التعرف على الأصوات الفعلية للقيادات، وبذلك يقوم المسؤول الأمني بترك جهاز الاتصال في مكان معين، ويتحرك بسيارته لمقابلة القيادي الحوثي لإعطائه تفاصيل المعلومات، إضافة إلى تعمد التغيير المتواصل لأرقام الجوالات للمسؤولين الأمنيين خلال 24 ساعة، وهذا من أساليب الدفاع السلبي، وهو العودة إلى الحالة البدائية في التعامل في موضوع الاتصالات.
مواقع الاستهداف
يشير الكميم إلى أن الضربات الأخيرة كانت مختلفة عن سابقاتها، وكانت شاملة ومحورية لعدة محافظات منها صعدة وحجة وتعز واب والحديدة وصنعاء وما حولها من معسكرات بني حشيش والصرف وجربان وسنحان وعمد وبني مطر والصباحة ونقم والحفا وذمار، والجوف والاتي شهدتا استهدافا للمرة الأولى لوجود مواقع حوثية حساسة فيها.
كما استهدفت الضربات أيضا بعض المركبات والمنازل التي كانت ملاذا ومركزا للقاء بعض القيادات الحوثية، وكذلك بعض الكهوف والأنفاق والمغارات.
وبين أن «الضربات قد تضعف الحوثيين أو تحد من قدراتهم، لكن المشكلة أنه في حال توقف الضربات فإن الحوثي قادر على إعادة الجاهزية والاستعداد من جديد طالما ما زالت موانئ اليمن ما تزال مفتوحة وتسمح بتدفق الأسلحة الإيرانية للحوثي، وبالتالي حتى لو تم تدمير جزء كبير من الأسلحة فإنه يمكن الحصول على البديل من إيران، لذا يجب التحرك على الأرض مباشرة واستغلال هذه الضربات».
اتفاقية المصالحة
لدى الحوثيين القدرة على التلون والانحناء أمام العواصف، ولا يستبعد مراقبون أن يعقد الحوثي اتفاقا مع أمريكا، ويتوقفون عن المعارك في البحر الأحمر واستهداف إسرائيل، وهذا تكتيك اتبعه الحوثي في 2018 عندما كانت القوات المسلحة اليمنية على أبواب تحرير الحديدة، حيث سارع الحوثي لتوقيع اتفاقية ستوكهولم، وكان أول من وصل ووقع الاتفاق، فهل سيأتي الوقت الذي يعلن فيه الحوثي الموافقة على الشروط الأمريكية، ومنها الموافقة على التوقف عن قصف السفن في البحر الأحمر، حيث قد يرضخ مرحليا حتى يضمن بقائه في اليمن، وهذا ما يجب التنبه إليه.
تحد غير مسبوق
بدوره، قال رئيس مركز اليمن والخليج للدراسات وليد الأبارة «تواجه أمريكا تحدياً غير مسبوق في اختراق الحصن الحوثي، فعندما أعلنت عن عملياتها العسكرية المباشرة، برز سؤال جوهري: هل تمتلك القدرات الاستخباراتية والعسكرية اللازمة لاستهداف القيادات الحوثية بدقة وفعالية؟.
إن التاريخ الاستخباراتي الأمريكي حافل بإنجازات (اصطياد قادة الإرهاب) من أسامة بن لادن إلى أبو بكر البغداي وغيرهم، لكن الحوثيين يمثلون معضلة إستراتيجية فريدة، فبعد عقد كامل من الحرب الضروس وآلاف الضربات الجوية، يواصل عبدالملك الحوثي وقيادات الصف الأول للجماعة الإرهابية لعبة التخفي والمناورة بمهارة».
وأضاف «على مدى عقدين بنى الحوثيون منظومة أمنية معقدة تجمع بين الأساليب التقليدية والتكنولوجيا الحديثة، وتعتمد على عدة مستويات من الحماية والتنصت والمراقبة. فالجماعة تجاوزت مرحلة الميليشيا السرية لتتحول إلى كيان شبه دولتي، يمتلك أذرعاً أمنية واستخباراتية قادرة على إحباط أي محاولات اختراق. ومع توالي الضربات الأمريكية وبالتحديد في صعدة وصنعاء، يبقى السؤال المحوري معلقاً؛ هل نجحت واشنطن في وضع إستراتيجية فعالة لتفكيك المنظومة الأمنية الحوثية، أم أن الجماعة ستتخطى العاصفة كما فعلت على مدار السنوات الماضية؟».
وتابع «بنى الحوثيون نظام حماية متعدد الطبقات، يجمع بين البدائية والتطور، بين العرف القبلي والتقنيات الحديثة، وبين العزلة المحلية والدعم الإيراني الدولي. هذه المنظومة ليست مجرد أدوات حماية عادية، بل هي نظام متكامل تطور عبر سنوات من المواجهة، ليصبح اليوم التحدي الأكبر للاستخبارات الدولية في المنطقة».
وأكمل «أولاً: جيوبولتيك الاختفاء، الحصون الجبلية: في قلب التضاريس الوعرة لشمال اليمن، يكمن سر نجاة القيادة الحوثية من الاستهداف. حيث تتحول سلاسل جبال صعدة وعمران وحجة إلى مختبر طبيعي للتخفي والتمركز والمناورة، وتصير الصخور والوديان شبكة معقدة من الملاجئ والأنفاق الإستراتيجية. وهذه الجغرافيا الوعرة ليست مجرد حاجز طبيعي، بل منظومة دفاعية متكاملة تتحدى أحدث التقنيات الاستخباراتية والعسكرية.
ويمتد شبح التحصين الحوثي عبر شبكة معقدة من المواقع السرية، وبحسب التقارير، يوجد أكثر من 500 موقع تحت الأرض، مع أنفاق وملاجئ محصنة على عمق يصل إلى 20 متراً، كل متر مربع من هذه الجبال يحمل قصة اختباء ومتاهة تحمي قادة الجماعة من أعين الاستخبارات».
وواصل «ثانياً: الرقمنة الأمنية والسيطرة على الاتصالات: على صعيد البنية التحتية الاتصالية، سيطر الحوثيون بشكل كامل على شركة (تليمن) وشبكات الهاتف النقال في صنعاء، ما منحهم القدرة على التحكم الشامل في المعلومات والاتصالات. وقد استفادوا من الدعم الإيراني في توفير أدوات اتصال مشفرة ومتطورة للغاية، جعلت من الصعب على الاستخبارات الأجنبية اختراق شبكاتهم. ومكّنهم ذلك من تنفيذ عمليات تجسس واسعة النطاق على المواطنين والمسؤولين، إضافة إلى التحكم في تدفق المعلومات. وشكلت أنظمة التشفير المستوردة من إيران، ووحدة (الدرع السيبراني)، وشبكات التنصت المعقدة جداراً إلكترونياً يصعب اختراقه. إضافة الى أن الجماعة تستند إلى منظومة متكاملة من التقنيات الإلكترونية المتطورة»، أبرزها:
ـ أنظمة التشفير الإيرانية: اعتمد الحوثي على نظام (فاتم) المشابه للأنظمة التي يستخدمها حزب الله اللبناني، والذي يوفر تشفيراً معقداً يصعب اختراقه.
ـ وحدة (الدرع السيبراني): أنشأ وحدة متخصصة مسؤولة عن رصد المحادثات واعتراض الاتصالات، ما منحه قدرة شبه مطلقة على المراقبة الأمنية.
ـ الخلايا الإلكترونية للتنصت: طور شبكة متطورة للتجسس بالتعاون مع خبراء من الحرس الثوري الإيراني، تمكنه من:
• رصد وتحليل أكثر من 2 مليون مكالمة يومياً.
• تطبيق أنظمة فلترة ذكية للكشف عن أي معلومات عسكرية حساسة.
• توفير قنوات اتصال مشفرة للقيادات باستخدام تكنولوجيا إيرانية متطورة.
واسترسل ثالثاً: نظام مكافحة التجسس الوحشي: طور الحوثيون نظام مكافحة تجسس يوصف بأنه من الأكثر قسوة، فهم لا يترددون في محاكمة أو إعدام من يُشتبه بتعاونهم مع الخصوم، وأنشأوا وحدات إلكترونية متخصصة لمراقبة المكالمات والرسائل بدقة عالية، وشبكة من المخبرين منتشرة على مستوى القرى والعزل والمديريات والمحافظات، كما أن المحاكمات السريعة تخلق مناخاً من الرعب يمنع أي محاولة للاختراق. هذه المنظومة الأمنية ليست مجرد تكتيكات دفاعية، بل إستراتيجية متكاملة تجمع بين الجغرافيا والتكنولوجيا والعنف المنظم.
كل خيط في هذه الشبكة المعقدة يهدف لحماية القيادة، وكل تفصيل مصمم لجعل استهداف قادة الحوثيين تحدياً يكاد يكون مستحيلاً.
تقليص فعالية
قد تسفر الضربات الأميركية عن نتائج محدودة، خاصة فيما يتعلق بإضعاف القدرات العسكرية للحوثي على المدى القصير. على الرغم من أنها تقلص فعالية بعض القوات أو تدمر بعض المنشآت اللوجستية الحيوية، لكن الوصول إلى أهداف ذات قيمة إستراتيجية أكبر، مثل زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، يبقى أمراً بالغ الصعوبة.
ويعد زعيم الجماعة العنصر الأكثر تأثيراً في تنسيق العمليات العسكرية والدعائية، وهو ما يجعل استهدافه أمراً ذا أولوية بالنسبة لواشنطن. لكن في ظل التحصينات الأمنية وتطور أساليب التمويه والتخفي، من غير المرجح أن تحقق الضربات الأميركية نتائج حاسمة في هذا الإطار.
من ناحية أخرى، قد تُمثل قدرات الحوثيين على التكيف مع هذه الضربات تهديداً طويل الأمد للجهود العسكرية الأميركية. فالتحولات التكتيكية التي يفرضها الحوثي قد تُمكنه من التخفيف من الأثر الناتج عن هذه الضربات، مما قد يُطيل أمد الحملة العسكرية ويُعقّد عمليات الاستهداف المستقبلية.
وقد يقوم الحوثيون بتطوير أساليب جديدة لمواجهة الضغوط العسكرية، مثل تغيير مواقعهم وتكثيف استخدام الأساليب الحربية غير التقليدية، مما يحد من قدرة الطيران الأميركي على تحقيق أهدافه بنجاح.
وفي حال لم تنجح الضربات الأميركية الحالية في إحداث تغيير كبير في سير المعركة، فإن واشنطن قد تتجه نحو تصعيد أكبر في عملياتها العسكرية. قد يشمل هذا التصعيد تنفيذ ضربات أكثر دقة وزيادة نطاق الهجمات.
لماذا تواجه أمريكا تحديات في جمع معلومات دقيقة عن قيادات الحوثي
1ـ غياب المصادر البشرية الموثوقة:
انهيار شبكات التجسس التقليدية بعد سقوط صنعاء 2014.
2ـ التخبط الإستراتيجي والتأخر في المواجهة:
ـ تعاملت أمريكا مع الحوثي بقدر من التخبط
ـ تأخرت أمريكا بالحزم مع الحوثي حتى استهدف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر
ـ تأخر المواجهة خلق فجوة استخبارية كبيرة حيال المعلومات عن الحوثي وتحركاته
3ـ الحرب الإلكترونية المضادة:
تزييف بيانات الاتصالات عبر أنظمة تشويش إيرانية متطورة «إيكو»
4ـ استخدام الحوثيين للمدنيين كدروع بشرية
5ـ التكتم الشديد على تحركات القادة
وبينت المصادر أن إحدى الضربات في الحزم بالجوف استهدفت مركزا كبيرا لإنتاج الطائرات المسيرة المائية كان يشهد حين الضربة اجتماعا لقرابة 60 شخصا بين قيادات ومدربين ومشرفين، إضافة إلى نجاح إحدى الضربات باستهداف كهف في صعدة يعد من أكبر مخازن الأسلحة وقطع الطائرات المسيرة والصواريخ، ويضم عددا من مكاتب قيادات حوثية وخبراء.
وأوضحوا أن الضربة في جبل شعيب صدمت الحوثيين لعلمهم القاطع بشح المعلومات عن وجود مركز عسكري كبير بالجبل، يضم أعدادا كبيرة من القيادات والعسكريين والخبراء الذين تم قصفهم في العمق.
خلط كبير
يقول الخبير، المحلل السياسي علي الشبعاني لـ«الوطن» «هناك خلط لدى كثيرين فيما يسمى قيادات الصف الأول وغير الأول، ولذا فإن هذه المسميات غير صحيحة، وما يجب معرفته أن هناك عددا كبيرا جدا من القيادات الحوثية التي تمثل أهمية قصوى في صفوف الجماعة دون تجزئة إلى صفوف أولى وثانية وثالثة، وجميع تلك القيادات مترابطة مع بعضها بعضا، ولا تنقص مسؤوليات بعضها عن بعض، وإن كان أغلب الظهور ينحصر بأسماء معينة معروفة، إلا أن هناك أسماء لا تقل أهمية عنها، إن لم تكن أكثر أهمية، ولذا فإن فقدها يمثل ضربة قوية مؤلمة للجماعة أكثر من تلك الأسماء معروفة الظهور، وهنا يجب التفريق بين الأسماء المدرجة على قوائم الإرهاب وما يسمى الصف الأول».
تغيير في المعادلة
يشدد الخبير العسكري والإستراتيجي، العميد الركن محمد عبدالله الكميم في حديثه لـ«الوطن» على أنه مهما حاول الحوثيون التعتيم والتضليل المعلوماتي على عدد قتلاهم واستهداف منظومتهم العسكرية بدقة عالية من الضربات الأمريكية، إلا أن الحقيقة والأدلة والمعلومات المؤكدة تكشف عكس ذلك، وقال «أحدثت الضربات الأخيرة تغييرا كبيرا في المعادلة، فبعدما كانت الضربات في عهد الرئيس السابق جو بايدن مغازلة ناعمة للحوثيين وضربات شكلية في مساحات زراعية بعيدة ومواقع عسكرية مهجورة زادت حينها من ثقة الحوثيين، فإن الضربات الأخيرة في عهد الرئيس دونالد ترمب اتسمت بالجدية، وتميزت بتغطيتها كل الجغرافيا التي تسيطر عليها المليشيات وكامل مسرح العمليات، كما أنها ضربات دقيقة، وحسب المعلومات فقد استهدفت للمرة الأولى مناطق جديدة لم يسبق استهدافها من قبل، وهو ما فاجأ الحوثيين، مثل جبل النبي شعيب، وجبهات قتالية جديدة في الجوف، مع التركيز على المعقل الرئيس للميليشيات في صعدة».
وأضاف «تم استخدام طائرات جديدة وقاذفات بي 52 الإستراتيجية، ما يعني استخدام ذخائر ثقيلة وقنابل شديدة الانفجار يمكنها الوصول إلى أعماق الأرض، إضافة لاستخدام المقاتلة الشبحية أف 36».
وواصل «مع التطور الملحوظ والكبير لتلك الضربات المتوالية التي أصابت أهدافا دقيقة، واستهدفت كذلك المقرات السياسية مثلما حصل في الجراف، والمقرات الإعلامية، واستهدفت بعض القيادات، وركزت بشكل مباشر على البنية الرئيسة لمحطات إطلاق الصواريخ».
وأكمل «هذه الضربات لن تقضي على مليشيا الحوثي، فقد تكون هناك عوامل تساعد القيادات الإرهابية منها الجغرافية والتضاريس اليمنية الوعرة، وتمرس الحوثي بالتخفي والتحصن بالجبال وصناعة الأنفاق والكهوف العميقة التي قد تعيق تماما وصول الضربات إلى مستوى القضاء على القيادات، والدليل أنه مازال هناك حتى الآن صواريخ ومسيرات تطلق، وما يزال الوقت مبكرا للحكم على الضربات من حيث فاعليتها».
سياسة الكتمان
يؤكد العميد كميم أن الحوثيين دأبوا على عدم إعلان قتلى قيادات الصف الأول تحديدا، وهو ما فعلوه مع ضربات التحالف العربي، حيث لم يتم الكشف عن ضحاياهم وقتلاهم من الصف الأول إلا بعد سنوات من مقتلهم، وهذا تكتيك يعتمده الحوثي للحفاظ على معنويات الجماعة، والمحافظة على البنية الهيكلية لها، ومحاولة التعويض سرا، ولذا فالمعلومات شحيحة في هذا الجانب.
قيادات مستهدفة
يوضح الكميم أن الضربات الأخيرة ركزت على منصات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة ومخازن الأسلحة ومشاة إنتاج الطائرات المسيرة المائية، وهنا يتأكد أن التركيز على القيادات الفنية أو القيادات التي تعتمد عليها الميليشيات مثل الخبراء والفنيين ومنظومة القيادة، ولا شك أن هناك قيادات كبيرة سقطت وقتلت وتمثل قوة للحوثيين، وليس شرطا أن تكون من الصف الأول.
ويبين: أوقف الحوثي التواصل عبر الجوالات ومنظومة الاتصالات العسكرية المعروفة، وبدأ استخدام البدائل الطارئة التي تعتمد على المرافقين أو المسؤولين الأمنيين، عندما يكون القيادي الحوثي في منطقة معينة، يكون هناك مسؤول أمني على مسافة بعيدة منه، قد تكون 4 كيلومترات أو أكثر يستقبل الاتصالات والتعليمات والشفرات بطريقة معينة، إضافة إلى استخدام تغيير نغمة الصوت، حتى يصعب التعرف على الأصوات الفعلية للقيادات، وبذلك يقوم المسؤول الأمني بترك جهاز الاتصال في مكان معين، ويتحرك بسيارته لمقابلة القيادي الحوثي لإعطائه تفاصيل المعلومات، إضافة إلى تعمد التغيير المتواصل لأرقام الجوالات للمسؤولين الأمنيين خلال 24 ساعة، وهذا من أساليب الدفاع السلبي، وهو العودة إلى الحالة البدائية في التعامل في موضوع الاتصالات.
مواقع الاستهداف
يشير الكميم إلى أن الضربات الأخيرة كانت مختلفة عن سابقاتها، وكانت شاملة ومحورية لعدة محافظات منها صعدة وحجة وتعز واب والحديدة وصنعاء وما حولها من معسكرات بني حشيش والصرف وجربان وسنحان وعمد وبني مطر والصباحة ونقم والحفا وذمار، والجوف والاتي شهدتا استهدافا للمرة الأولى لوجود مواقع حوثية حساسة فيها.
كما استهدفت الضربات أيضا بعض المركبات والمنازل التي كانت ملاذا ومركزا للقاء بعض القيادات الحوثية، وكذلك بعض الكهوف والأنفاق والمغارات.
وبين أن «الضربات قد تضعف الحوثيين أو تحد من قدراتهم، لكن المشكلة أنه في حال توقف الضربات فإن الحوثي قادر على إعادة الجاهزية والاستعداد من جديد طالما ما زالت موانئ اليمن ما تزال مفتوحة وتسمح بتدفق الأسلحة الإيرانية للحوثي، وبالتالي حتى لو تم تدمير جزء كبير من الأسلحة فإنه يمكن الحصول على البديل من إيران، لذا يجب التحرك على الأرض مباشرة واستغلال هذه الضربات».
اتفاقية المصالحة
لدى الحوثيين القدرة على التلون والانحناء أمام العواصف، ولا يستبعد مراقبون أن يعقد الحوثي اتفاقا مع أمريكا، ويتوقفون عن المعارك في البحر الأحمر واستهداف إسرائيل، وهذا تكتيك اتبعه الحوثي في 2018 عندما كانت القوات المسلحة اليمنية على أبواب تحرير الحديدة، حيث سارع الحوثي لتوقيع اتفاقية ستوكهولم، وكان أول من وصل ووقع الاتفاق، فهل سيأتي الوقت الذي يعلن فيه الحوثي الموافقة على الشروط الأمريكية، ومنها الموافقة على التوقف عن قصف السفن في البحر الأحمر، حيث قد يرضخ مرحليا حتى يضمن بقائه في اليمن، وهذا ما يجب التنبه إليه.
تحد غير مسبوق
بدوره، قال رئيس مركز اليمن والخليج للدراسات وليد الأبارة «تواجه أمريكا تحدياً غير مسبوق في اختراق الحصن الحوثي، فعندما أعلنت عن عملياتها العسكرية المباشرة، برز سؤال جوهري: هل تمتلك القدرات الاستخباراتية والعسكرية اللازمة لاستهداف القيادات الحوثية بدقة وفعالية؟.
إن التاريخ الاستخباراتي الأمريكي حافل بإنجازات (اصطياد قادة الإرهاب) من أسامة بن لادن إلى أبو بكر البغداي وغيرهم، لكن الحوثيين يمثلون معضلة إستراتيجية فريدة، فبعد عقد كامل من الحرب الضروس وآلاف الضربات الجوية، يواصل عبدالملك الحوثي وقيادات الصف الأول للجماعة الإرهابية لعبة التخفي والمناورة بمهارة».
وأضاف «على مدى عقدين بنى الحوثيون منظومة أمنية معقدة تجمع بين الأساليب التقليدية والتكنولوجيا الحديثة، وتعتمد على عدة مستويات من الحماية والتنصت والمراقبة. فالجماعة تجاوزت مرحلة الميليشيا السرية لتتحول إلى كيان شبه دولتي، يمتلك أذرعاً أمنية واستخباراتية قادرة على إحباط أي محاولات اختراق. ومع توالي الضربات الأمريكية وبالتحديد في صعدة وصنعاء، يبقى السؤال المحوري معلقاً؛ هل نجحت واشنطن في وضع إستراتيجية فعالة لتفكيك المنظومة الأمنية الحوثية، أم أن الجماعة ستتخطى العاصفة كما فعلت على مدار السنوات الماضية؟».
وتابع «بنى الحوثيون نظام حماية متعدد الطبقات، يجمع بين البدائية والتطور، بين العرف القبلي والتقنيات الحديثة، وبين العزلة المحلية والدعم الإيراني الدولي. هذه المنظومة ليست مجرد أدوات حماية عادية، بل هي نظام متكامل تطور عبر سنوات من المواجهة، ليصبح اليوم التحدي الأكبر للاستخبارات الدولية في المنطقة».
وأكمل «أولاً: جيوبولتيك الاختفاء، الحصون الجبلية: في قلب التضاريس الوعرة لشمال اليمن، يكمن سر نجاة القيادة الحوثية من الاستهداف. حيث تتحول سلاسل جبال صعدة وعمران وحجة إلى مختبر طبيعي للتخفي والتمركز والمناورة، وتصير الصخور والوديان شبكة معقدة من الملاجئ والأنفاق الإستراتيجية. وهذه الجغرافيا الوعرة ليست مجرد حاجز طبيعي، بل منظومة دفاعية متكاملة تتحدى أحدث التقنيات الاستخباراتية والعسكرية.
ويمتد شبح التحصين الحوثي عبر شبكة معقدة من المواقع السرية، وبحسب التقارير، يوجد أكثر من 500 موقع تحت الأرض، مع أنفاق وملاجئ محصنة على عمق يصل إلى 20 متراً، كل متر مربع من هذه الجبال يحمل قصة اختباء ومتاهة تحمي قادة الجماعة من أعين الاستخبارات».
وواصل «ثانياً: الرقمنة الأمنية والسيطرة على الاتصالات: على صعيد البنية التحتية الاتصالية، سيطر الحوثيون بشكل كامل على شركة (تليمن) وشبكات الهاتف النقال في صنعاء، ما منحهم القدرة على التحكم الشامل في المعلومات والاتصالات. وقد استفادوا من الدعم الإيراني في توفير أدوات اتصال مشفرة ومتطورة للغاية، جعلت من الصعب على الاستخبارات الأجنبية اختراق شبكاتهم. ومكّنهم ذلك من تنفيذ عمليات تجسس واسعة النطاق على المواطنين والمسؤولين، إضافة إلى التحكم في تدفق المعلومات. وشكلت أنظمة التشفير المستوردة من إيران، ووحدة (الدرع السيبراني)، وشبكات التنصت المعقدة جداراً إلكترونياً يصعب اختراقه. إضافة الى أن الجماعة تستند إلى منظومة متكاملة من التقنيات الإلكترونية المتطورة»، أبرزها:
ـ أنظمة التشفير الإيرانية: اعتمد الحوثي على نظام (فاتم) المشابه للأنظمة التي يستخدمها حزب الله اللبناني، والذي يوفر تشفيراً معقداً يصعب اختراقه.
ـ وحدة (الدرع السيبراني): أنشأ وحدة متخصصة مسؤولة عن رصد المحادثات واعتراض الاتصالات، ما منحه قدرة شبه مطلقة على المراقبة الأمنية.
ـ الخلايا الإلكترونية للتنصت: طور شبكة متطورة للتجسس بالتعاون مع خبراء من الحرس الثوري الإيراني، تمكنه من:
• رصد وتحليل أكثر من 2 مليون مكالمة يومياً.
• تطبيق أنظمة فلترة ذكية للكشف عن أي معلومات عسكرية حساسة.
• توفير قنوات اتصال مشفرة للقيادات باستخدام تكنولوجيا إيرانية متطورة.
واسترسل ثالثاً: نظام مكافحة التجسس الوحشي: طور الحوثيون نظام مكافحة تجسس يوصف بأنه من الأكثر قسوة، فهم لا يترددون في محاكمة أو إعدام من يُشتبه بتعاونهم مع الخصوم، وأنشأوا وحدات إلكترونية متخصصة لمراقبة المكالمات والرسائل بدقة عالية، وشبكة من المخبرين منتشرة على مستوى القرى والعزل والمديريات والمحافظات، كما أن المحاكمات السريعة تخلق مناخاً من الرعب يمنع أي محاولة للاختراق. هذه المنظومة الأمنية ليست مجرد تكتيكات دفاعية، بل إستراتيجية متكاملة تجمع بين الجغرافيا والتكنولوجيا والعنف المنظم.
كل خيط في هذه الشبكة المعقدة يهدف لحماية القيادة، وكل تفصيل مصمم لجعل استهداف قادة الحوثيين تحدياً يكاد يكون مستحيلاً.
تقليص فعالية
قد تسفر الضربات الأميركية عن نتائج محدودة، خاصة فيما يتعلق بإضعاف القدرات العسكرية للحوثي على المدى القصير. على الرغم من أنها تقلص فعالية بعض القوات أو تدمر بعض المنشآت اللوجستية الحيوية، لكن الوصول إلى أهداف ذات قيمة إستراتيجية أكبر، مثل زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، يبقى أمراً بالغ الصعوبة.
ويعد زعيم الجماعة العنصر الأكثر تأثيراً في تنسيق العمليات العسكرية والدعائية، وهو ما يجعل استهدافه أمراً ذا أولوية بالنسبة لواشنطن. لكن في ظل التحصينات الأمنية وتطور أساليب التمويه والتخفي، من غير المرجح أن تحقق الضربات الأميركية نتائج حاسمة في هذا الإطار.
من ناحية أخرى، قد تُمثل قدرات الحوثيين على التكيف مع هذه الضربات تهديداً طويل الأمد للجهود العسكرية الأميركية. فالتحولات التكتيكية التي يفرضها الحوثي قد تُمكنه من التخفيف من الأثر الناتج عن هذه الضربات، مما قد يُطيل أمد الحملة العسكرية ويُعقّد عمليات الاستهداف المستقبلية.
وقد يقوم الحوثيون بتطوير أساليب جديدة لمواجهة الضغوط العسكرية، مثل تغيير مواقعهم وتكثيف استخدام الأساليب الحربية غير التقليدية، مما يحد من قدرة الطيران الأميركي على تحقيق أهدافه بنجاح.
وفي حال لم تنجح الضربات الأميركية الحالية في إحداث تغيير كبير في سير المعركة، فإن واشنطن قد تتجه نحو تصعيد أكبر في عملياتها العسكرية. قد يشمل هذا التصعيد تنفيذ ضربات أكثر دقة وزيادة نطاق الهجمات.
لماذا تواجه أمريكا تحديات في جمع معلومات دقيقة عن قيادات الحوثي
1ـ غياب المصادر البشرية الموثوقة:
انهيار شبكات التجسس التقليدية بعد سقوط صنعاء 2014.
2ـ التخبط الإستراتيجي والتأخر في المواجهة:
ـ تعاملت أمريكا مع الحوثي بقدر من التخبط
ـ تأخرت أمريكا بالحزم مع الحوثي حتى استهدف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر
ـ تأخر المواجهة خلق فجوة استخبارية كبيرة حيال المعلومات عن الحوثي وتحركاته
3ـ الحرب الإلكترونية المضادة:
تزييف بيانات الاتصالات عبر أنظمة تشويش إيرانية متطورة «إيكو»
4ـ استخدام الحوثيين للمدنيين كدروع بشرية
5ـ التكتم الشديد على تحركات القادة