ليس كل من عرف شيئًا قد فهمه، ولا كل من ردد قولًا صار من أهله؛ فالعقل ليس خزانةً للحفظ فحسب، بل آلة للفهم، ومفتاح للتأمل، وجسرٌ للتوازن بين ظاهر النص وروح المعنى، وبين العلم الموروث والحكمة المستفادة؛ وإن كانت نعمة العقل من أعظم ما امتنّ الله به على عباده، فإن تعطيله باسم الاتباع الأعمى، وتجميده بحجة التسليم بلا تبصر، لا يقل خطرًا عن إطلاقه دون ضوابط.
الحقيقة أن المشكلة لا تكمن في المعرفة ذاتها، بل في طريقة تلقيها وتداولها؛ فهل دُربت العقول على إدراك المعنى، أم اكتفينا بتكرار الألفاظ؛ وبصراحة أقول، لقد أهمل الفهم في بعض البيئات الدينية والسلوكية لصالح التلقين، فصار الناشئ منا يُربى على الحفظ لا التحليل، وعلى الإقرار لا التبيّن، حتى ظن أن الدين لا يحتمل السؤال، وأن التفكير يقود إلى الشك، وأن الصواب لا يكون إلا في صورة واحدة؛ لا في روح تتسع للاختلاف، وتنهض بالحكمة، والمفارقة أن النصوص مليئة بالدعوة إلى التفكر والتدبر، وتذمّ الذين {لا يعقلون} و{لا يتفكرون}؛ ما يؤكد أن الأصل في العقل أن يكون أداةَ إدراك وهداية، لا مجرد وعاءٍ للتقليد والتسليم.
مظاهر غياب الفهم كثيرة، ومنها أن ترى من يحفظ المتون، ويستظهر الأقوال، لكنه إذا سُئل عن مسألة دينية، أجاب بتكرار التعريف أو نقل الخلاف، دون أن يربط ذلك بواقع الناس، أو يفرّق بين الحكم ومساحة الاجتهاد، وكأن العلم ترديدٌ لا تبصّر، واتباعٌ لا اجتهاد، وقد نرى من يجعل في مخالفة رأيه خروجًا على الجماعة، أو النقاش في شأن عام واضح إساءةً، أو السؤال عن فتوى خلافية تطاولًا؛ لأنه نشأ على ربط الأمور بالتطابق لا بالمسؤولية، وعلى تقسيم الناس وتصنيفهم بالمظهر لا بالفهم والسلوك، وكل ذلك نتيجة تلقينٍ لشعارات، لا بناءٍ لوعي، ولا تدريبٍ على إدراك أبعاد الأمور من زواياها المتعددة.
أنا هنا، لا أدعو إلى التسيب أو الخروج على الأصول، فهذا أمر مرفوض تماما، لكن المؤمل هو أن نفرّق بين التسليم المدروس والتقليد المكرور، وبين الفهم الحي والتلقين الجامد؛ فالفهم لا يُضعف الإيمان، بل يصونه، والسؤال لا يهدم اليقين، بل يثبّته؛ كما كان حال الصحابة، رضي الله عنهم، سألوا وتعلموا، وفهموا وعقلوا، فكانوا متفكرين مجتهدين، لا ناقلين مكرّرين؛ وأختم بأن تجويد الخطاب لا يكون بكثرة المعلومات، بل بصحة منهج التلقي، وتعزيز قيمة الفهم، وإعادة الثقة بالعقل الرزين، لا العقل المنفلت؛ لأن من التمام أن يكون عقل المرء حاضرًا في إيمانه، وفقهه، وسلوكه، وأن يكون فاعلًا في الواقع، لا نسخةً مكررة مما تلقّنه أو أُمر به؛ والعاقل لا يجعل عقله خصمًا لواقعه، وعكسه من يحسن مع من يحسن، ويسيء مع من يسيء.
الحقيقة أن المشكلة لا تكمن في المعرفة ذاتها، بل في طريقة تلقيها وتداولها؛ فهل دُربت العقول على إدراك المعنى، أم اكتفينا بتكرار الألفاظ؛ وبصراحة أقول، لقد أهمل الفهم في بعض البيئات الدينية والسلوكية لصالح التلقين، فصار الناشئ منا يُربى على الحفظ لا التحليل، وعلى الإقرار لا التبيّن، حتى ظن أن الدين لا يحتمل السؤال، وأن التفكير يقود إلى الشك، وأن الصواب لا يكون إلا في صورة واحدة؛ لا في روح تتسع للاختلاف، وتنهض بالحكمة، والمفارقة أن النصوص مليئة بالدعوة إلى التفكر والتدبر، وتذمّ الذين {لا يعقلون} و{لا يتفكرون}؛ ما يؤكد أن الأصل في العقل أن يكون أداةَ إدراك وهداية، لا مجرد وعاءٍ للتقليد والتسليم.
مظاهر غياب الفهم كثيرة، ومنها أن ترى من يحفظ المتون، ويستظهر الأقوال، لكنه إذا سُئل عن مسألة دينية، أجاب بتكرار التعريف أو نقل الخلاف، دون أن يربط ذلك بواقع الناس، أو يفرّق بين الحكم ومساحة الاجتهاد، وكأن العلم ترديدٌ لا تبصّر، واتباعٌ لا اجتهاد، وقد نرى من يجعل في مخالفة رأيه خروجًا على الجماعة، أو النقاش في شأن عام واضح إساءةً، أو السؤال عن فتوى خلافية تطاولًا؛ لأنه نشأ على ربط الأمور بالتطابق لا بالمسؤولية، وعلى تقسيم الناس وتصنيفهم بالمظهر لا بالفهم والسلوك، وكل ذلك نتيجة تلقينٍ لشعارات، لا بناءٍ لوعي، ولا تدريبٍ على إدراك أبعاد الأمور من زواياها المتعددة.
أنا هنا، لا أدعو إلى التسيب أو الخروج على الأصول، فهذا أمر مرفوض تماما، لكن المؤمل هو أن نفرّق بين التسليم المدروس والتقليد المكرور، وبين الفهم الحي والتلقين الجامد؛ فالفهم لا يُضعف الإيمان، بل يصونه، والسؤال لا يهدم اليقين، بل يثبّته؛ كما كان حال الصحابة، رضي الله عنهم، سألوا وتعلموا، وفهموا وعقلوا، فكانوا متفكرين مجتهدين، لا ناقلين مكرّرين؛ وأختم بأن تجويد الخطاب لا يكون بكثرة المعلومات، بل بصحة منهج التلقي، وتعزيز قيمة الفهم، وإعادة الثقة بالعقل الرزين، لا العقل المنفلت؛ لأن من التمام أن يكون عقل المرء حاضرًا في إيمانه، وفقهه، وسلوكه، وأن يكون فاعلًا في الواقع، لا نسخةً مكررة مما تلقّنه أو أُمر به؛ والعاقل لا يجعل عقله خصمًا لواقعه، وعكسه من يحسن مع من يحسن، ويسيء مع من يسيء.