ماجد الجريوي

في مشهد بطولي جسد المواطن السعودي ماهر الدلبحي أسمى معاني التضحية والفداء، حين عرض حياته للخطر من أجل إنقاذ محطة وقود من حريق كاد يتحول إلى كارثة إنسانية واقتصادية. الحادثة التي وقعت عندما ترك أحد السائقين شاحنة محملة بالأعلاف مشتعلة داخل المحطة، في موقف خطير كان من الممكن أن يؤدي إلى انفجار مروع بسبب قرب النيران من خزانات الوقود. وفي تلك اللحظة الحاسمة لم يتردد الدلبحي بل اندفع بكل شجاعة نحو الخطر، وقاد الشاحنة وهي تشتعل بالنيران إلى منطقة بعيدة عن خزانات الوقود، مقللًا الخطر ومفشلًا سيناريو كارثيًا كان يهدد أرواح المارة والموظفين وكل من كان بالمكان. لكن هذا العمل البطولي لم يمر دون ثمن؛ فقد أصيب الدلبحي بحروق متعددة طالت وجهه ورأسه وأطرافه، وتم نقله على وجه السرعة إلى مدينة الملك سعود الطبية بالرياض لتلقي العلاج اللازم.

ما فعله الدلبحي يعد تجسيدًا حقيقيًا لما يتميز به السعوديون من نخوة وشهامة وإيثار. ولم يكن غريبًا أن تبادر الدولة إلى تكريمه رسميًا، تقديرًا لتضحيته وشجاعته، وتأكيدًا على أن من يضع مصلحة الوطن فوق مصلحته الشخصية، هو محل فخر واعتزاز الجميع.

هذا الحدث يظهر أن الدلبحي ليس إلا نموذجًا مشرفًا من أبناء هذا الوطن، الذين يقدمون أرواحهم حين يناديهم الواجب. فالشجاعة ليست في القوة الجسدية فحسب، بل في اتخاذ القرار في اللحظة الحرجة، وهذا ما فعله الدلبحي ببسالة نادرة. إن قصة الدلبحي ستبقى محفورة في ذاكرة الوطن، لا كحادثة طارئة بل كرمز للبطولة، ومصدر إلهام لكل من يؤمن أن الشجاعة موقف والتضحية فخر، وأن من يقدم روحه لأجل الآخرين سيبقى خالدًا في وجدان وطنه.

المجتمع السعودي بكل فئاته يزخر بأمثال هذا البطل، ممن تربوا على معاني الشهامة والغيرة على المصلحة العامة. وما موقف الدلبحي إلا حلقة في سلسلة طويلة من مواقف بطولية تؤكد أن في هذا الوطن رجالًا يضيئون الظلمة بأفعالهم. كيف لا وهي من عادات المجتمع السعودي، النخوة والفزعة للقريب والبعيد، وهم جنود في كل زمان ومكان، جاهزون للمخاطرة بأرواحهم لإنقاذ الآخرين. فلا تكاد تمر أزمة أو حادثة إلا ويظهر فيها المواطن السعودي بوجهه المشرق متطوعًا، مبادرًا، شجاعًا لا ينتظر توجيهًا ولا أوامر. تلك القيم لم تأت من فراغ، بل هي امتداد لإرث أصيل توارثته الأجيال، حيث تعلم الشهامة منذ الصغر، وتغرس الفزعة في النفوس، حتى أصبحت سمة تميز المجتمع السعودي عن غيره.

ولعل قصة الدلبحي الذي خاطر بحياته لإنقاذ محطة وقود من كارثة محققة، خير مثال حي على هذه الروح نسأل الله أن يمن على الدلبحي بالشفاء العاجل، وأن يحفظ رجال هذا الوطن، الذين يجعلون من التضحية أسلوب حياة.