عبدالله العلويط

تظهر بين فترة وأخرى أخطاء ومخالفات لبعض مشاهير السوشيال ميديا وليس جميعهم، وهذا أمر غير مستبعد منطقيا طالما أن هذه الفئة منهم تحصلوا على شهرة مع ضعف ثقافتهم وعلمهم، فالشهرة مثل المال ومثل المنصب إذا تحصل عليها شخص وليس أهلا لها بإنجازاته ومستواه العقلي ورجاحة عقله، فإنه سيمارسها بطريقة أقل ما يقال عنها إنها خاطئة، إن لم يكن بها ادعاءات أو اعتداءات أو محاولات إثراء أو أي استخدام مرفوض.

ما دأبت عليه البشرية منذ فجر التاريخ هو أن تقدم فئة دون غيرهم ليتصدروا المشهد في معرفة الصواب والخطأ، كالحكماء وشعراء الحكمة والفلاسفة - في المناطق التي ظهرت بها الفلسفة - أو المختصين الدينيين - في المناطق التي تدين بدين - لكن حينما يلغى كل هذا ويتصدر المشهد الاجتماعي أناس لم يقدموا أي علم أو حكمة ولم تعرف منهم فإنه من المتوقع أن تحدث كل تلك الأخطاء، الأمر الذي من شأنه أن يقلل من استبطان واستحضار القيم والأخلاق بل والانضباط في الحياة عموما لدى أفراد قد يقلون أو يكثرون، مما يؤدي إلى أن يتجرأ بعضهم على ارتكاب مخالفات وأفعال عديمة الجدوى وظهور الاستهتار والإهمال واللامبالاة، لأن القدوة الحقيقية الذين يذكرونهم بالانضباط قد غابت عنهم، وهذا هو ما يفسر عدم التزام البعض بالأنظمة أو التعليمات. ولذا فبروز أهل العلم والفكر والعقل والثقافة الفكرية، وأصحاب الطرح العقلاني من أولائك المشاهير، وعلماء الشريعة المستنيرين الذين يضعون اعتبارا للعصر ومتطلباته كموجه لدفة المجتمع من شأنه أن يعيد الاعتبار لاستحضار القيم والأخلاق واستبطانها، لكن وللأسف فإن ظهور هذه النخبة قد ضعف من خلال عدة مظاهر:

أولها مقارنتهم بمشاهير السوشيال ميديا بل بعضهم يخلص في مقارنته إلى أن المشاهير أفضل لأنهم نزلوا لمستوى الشارع، وكأن هذا النزول بمفرده هو ما يتمايز به الناس وهو ما يحدد من يقود المجتمعات ويسيرها، وللأسف أن هذا يخرج من بعض المثقفين ثم ما يتبع ذلك من هجوم عليهم وأنه يتحدث من برجه العاجي ولا ينزل إلى مستوى الشارع.

والمظهر الثاني هو ضعف واضمحلال البرامج الفكرية الفضائية، وبرامج البودكاست الفكرية التي بدأت بالتركيز على الشخصيات البارزة اقتصاديا وفي تنمية الذات وغيرها من المجالات أكثر من الشخصيات الفكرية، ولا شك أنهم محل تقدير وظهورهم في مكانه لكنهم لا يصنعون وعيا كاملا كما يصنعه أهل الفكر والعلم المستنير، وإن أوجدوه في مجال تخصصهم فلا بد أن يسبقه تأسيس للعقل الذي ينتج الوعي حتى يتماهى مع التوجيهات الاقتصادية والطبية بل والأمنية والنظامية والأخلاقية وغيرها، وهذا التأسيس العقلي لا يمكن أن يصنعه إلا تلك النخبة.. فالترتيب عقل ثم وعي ثم استجابة للأنظمة والتعليمات.

زيادة الوعي هو ما يقلل من الجهود الطبية والأمنية وكل الجهود في كل المجالات التي تقوم على تتبع أخطاء الناس والتعامل معها.. ولهذا لا بد من إعادة البرامج الفكرية الفضائية التي أحدثت وعيا في حقبة سابقة، والاستفادة من المساحات في منصة إكس ومن برامج البودكاست، وغيرها من الوسائل الحديثة، وتوضيح مجال ودور المثقف الحقيقي وكيف يعمل وينتج، وأنه لا يقوم بالتوجيه مباشرة وإنما يصنع حالة من الوعي مؤسِّسة للانضباط.