في خضم التحول الرقمي المتسارع عالمياً، يعيش أطفال السعودية تجربة فريدة تعكس مزيجاً من الفرص الهائلة والمخاطر الخفية.
ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة اليونيسف لعام 2023، يستخدم نحو 90 % من الأطفال السعوديين الإنترنت، بينما تؤكد إحصاءات مجلس شؤون الأسرة لعام 2024 أن 98.9 % من الأطفال بين 10 و14 عاماً متصلون بالشبكة العنكبوتية. كما بلغت نسبة انتشار الإنترنت في المملكة 99 %، لتصبح السعودية من بين الأعلى عالمياً.
هذه الأرقام تعكس ذاك الانغماس العميق بالإنترنت، لكنه يثير تساؤلات حول الصحة النفسية والجسدية، والأمان الرقمي، ودور الأسرة والتعليم في توجيه هذا التحول نحو مسارٍ آمنٍ ومستدامٍ.
انتشار رقمي متسارع
يشهد المجتمع السعودي تحولاً غير مسبوق في أنماط حياة الأطفال، مع دخول التقنية تفاصيل الحياة اليومية منذ مراحل مبكرة. فحسب تقارير حديثة، تسجل المملكة أعلى نسبة عالمياً لامتلاك الأطفال للهواتف الذكية، إذ يمتلك 65 % منهم هاتفاً قبل بلوغ العاشرة.
هذا الانتشار المبكر يفتح الباب أمام فرص تعليمية وإبداعية واسعة، لكنه يطرح أيضاً تحديات تتعلق بالاعتماد المفرط على الأجهزة، والعزلة الاجتماعية، وتراجع النشاط البدني.
وبينما تُظهر المقارنات الدولية أن 93 % فقط من الأطفال بعمر 10 سنوات يستخدمون الإنترنت في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فإن النسبة في السعودية تتجاوز ذلك بنحو 6 نقاط مئوية، ما يعكس تقدماً رقمياً كبيراً لكنه في الوقت ذاته يؤكد الحاجة إلى أطر توجيهية ومتابعة أسرية متوازنة.
صحة ورفاهية
رغم أن العالم الرقمي يوفر للأطفال أدواتٍ غير مسبوقة للتعلم والإبداع، إلا أن الخبراء يحذرون من التأثيرات الصحية والسلوكية الناجمة عن الإفراط في استخدام الأجهزة.
ويُشير تقرير منظمة OECD إلى أن الاستخدام الطويل للشاشات يرتبط باضطرابات النوم، وتراجع النشاط البدني، وزيادة مستويات القلق والاكتئاب.
وفي السياق السعودي، كشفت دراسة صادرة عن مركز الملك عبدالله للأبحاث عام 2022 أن 47 % من الأطفال و25 % من المراهقين في المملكة تعرضوا للتنمر الإلكتروني، وهو أحد أبرز التحديات الرقمية الراهنة.
كما حذر مجلس شؤون الأسرة من أن الاستخدام المبكر والمكثف للهواتف الذكية قد يؤدي إلى مشكلاتٍ نفسيةٍ مثل العدوانية ومشاعر الانفصال، مما يستدعي تبني برامج وطنية شاملة تعزز الوعي والوقاية النفسية، وتشجع على الاستخدام المتوازن للتقنية.
حماية رقمية
في مواجهة هذه التحديات، أدركت المملكة مبكراً أهمية بناء منظومة حماية رقمية متكاملة للأطفال. فبينما تشير الدراسات إلى أن 63 % من السعوديين لا يدركون خطر التنمر الإلكتروني، تعمل الجهات المعنية على سد هذه الفجوة عبر برامج توعوية وتشريعية وتنظيمية.
ويشكل نظام مكافحة جرائم المعلوماتية إحدى الركائز الأساسية هنا، إلى جانب رفع مستوى الوعي لدى الأسر والأطفال حول السلوك الرقمي الآمن. كما يجري العمل على تطوير أدواتٍ تقنيةٍ تساعد الأسر في مراقبة المحتوى وضبط أوقات استخدام الأجهزة.
ويرى خبراء أن الحماية الفاعلة للأطفال في البيئة الرقمية لا تتحقق عبر القوانين فقط، بل بتعاون متكامل بين الجهات الحكومية، ومقدمي الخدمات الرقمية، والمدارس، والأسر.
خط الدفاع الأول
يؤكد تقرير OECD أن التعليم والأسرة هما حجرا الزاوية في تعزيز الثقافة الرقمية المسؤولة لدى الجيل الجديد. فالمعلمون لم يعودوا مجرد ناقلين للمعرفة، بل أصبحوا مرشدين رقميين يوجهون الطلبة نحو الاستخدام الآمن والمسؤول للتقنية.
توصي تقارير الـOECD بدمج مهارات المواطنة الرقمية والتفكير النقدي ضمن المناهج الدراسية، حتى يتمكن الأطفال من تحليل المعلومات، وتجنب التضليل، والتفاعل بوعيٍ مع الفضاء الإلكتروني.
أما الأسرة، فتبقى الجهة الأكثر تأثيراً في تشكيل سلوك الأطفال الرقمي. ويؤكد المتخصصون أن الحوار المفتوح بين الآباء والأبناء حول استخدام الإنترنت، ووضع قواعد واضحة لاستخدام الأجهزة، يساهم في الحد من السلوكيات السلبية ويعزز الثقة والمسؤولية.
مستقبل ذكي
يتجه العالم نحو مرحلة جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي AI والواقع الافتراضي VR، ما يفتح آفاقاً تعليمية وعلمية واسعة أمام الجيل القادم. غير أن هذه التقنيات تحمل أيضاً مخاطر محتملة مثل التحيز الخوارزمي، والاختراقات الرقمية، وتآكل الخصوصية.
وفي ظل توجه المملكة نحو تبني هذه التقنيات ضمن رؤية السعودية 2030، يصبح من الضروري وضع إستراتيجيات دقيقة لاستخدامها بشكلٍ آمنٍ ومسؤول في بيئات الأطفال التعليمية والترفيهية.
يشمل ذلك تطوير محتوى تعليمي آمن يعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتحديد فترات استخدام مناسبة، وإشراف الكبار على المحتوى المقدم، لضمان أن تكون التكنولوجيا وسيلة تمكين لا مصدر تهديد. وكذلك تخصيص هيئات حكومية سعودية تراقب المواقع والمحتوى الخاص بالأطفال مثل هيئة تنظيم الإعلام.
ويرى المختصون أن مستقبل الأطفال في العصر الرقمي يجب أن يُبنى على توازنٍ دقيقٍ بين الانفتاح التكنولوجي والوعي الإنساني.
3 اتجاهات رئيسة
أكد خبراء ومتخصصون تقنيين لـ«الوطن» بأنه تُظهر المؤشرات أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو بناء بيئة رقمية آمنة ومستدامة، تواكب الطموحات التنموية، وتضع رفاهية الطفل في صميم التحول الرقمي. ولتحقيق ذلك، يتطلب الأمر استمرار العمل في 3 اتجاهات رئيسة:
أولاً: تعزيز التوعية الأسرية والتعليمية لتنشئة جيلٍ واعٍ بمخاطر الإنترنت.
ثانياً: تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية لمواكبة سرعة التطور التقني.
ثالثًا: إطلاق مبادرات وطنية تشاركية تجمع بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني لحماية الأطفال وتمكينهم رقمياً.
وفي النهاية، لا يمكن فصل الرقمنة عن مستقبل الطفولة في المملكة، لكنها تحتاج إلى إدارة رشيدة تضمن أن تبقى التقنية أداةً للارتقاء بالإنسان لا عبئاً عليه.
ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة اليونيسف لعام 2023، يستخدم نحو 90 % من الأطفال السعوديين الإنترنت، بينما تؤكد إحصاءات مجلس شؤون الأسرة لعام 2024 أن 98.9 % من الأطفال بين 10 و14 عاماً متصلون بالشبكة العنكبوتية. كما بلغت نسبة انتشار الإنترنت في المملكة 99 %، لتصبح السعودية من بين الأعلى عالمياً.
هذه الأرقام تعكس ذاك الانغماس العميق بالإنترنت، لكنه يثير تساؤلات حول الصحة النفسية والجسدية، والأمان الرقمي، ودور الأسرة والتعليم في توجيه هذا التحول نحو مسارٍ آمنٍ ومستدامٍ.
انتشار رقمي متسارع
يشهد المجتمع السعودي تحولاً غير مسبوق في أنماط حياة الأطفال، مع دخول التقنية تفاصيل الحياة اليومية منذ مراحل مبكرة. فحسب تقارير حديثة، تسجل المملكة أعلى نسبة عالمياً لامتلاك الأطفال للهواتف الذكية، إذ يمتلك 65 % منهم هاتفاً قبل بلوغ العاشرة.
هذا الانتشار المبكر يفتح الباب أمام فرص تعليمية وإبداعية واسعة، لكنه يطرح أيضاً تحديات تتعلق بالاعتماد المفرط على الأجهزة، والعزلة الاجتماعية، وتراجع النشاط البدني.
وبينما تُظهر المقارنات الدولية أن 93 % فقط من الأطفال بعمر 10 سنوات يستخدمون الإنترنت في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فإن النسبة في السعودية تتجاوز ذلك بنحو 6 نقاط مئوية، ما يعكس تقدماً رقمياً كبيراً لكنه في الوقت ذاته يؤكد الحاجة إلى أطر توجيهية ومتابعة أسرية متوازنة.
صحة ورفاهية
رغم أن العالم الرقمي يوفر للأطفال أدواتٍ غير مسبوقة للتعلم والإبداع، إلا أن الخبراء يحذرون من التأثيرات الصحية والسلوكية الناجمة عن الإفراط في استخدام الأجهزة.
ويُشير تقرير منظمة OECD إلى أن الاستخدام الطويل للشاشات يرتبط باضطرابات النوم، وتراجع النشاط البدني، وزيادة مستويات القلق والاكتئاب.
وفي السياق السعودي، كشفت دراسة صادرة عن مركز الملك عبدالله للأبحاث عام 2022 أن 47 % من الأطفال و25 % من المراهقين في المملكة تعرضوا للتنمر الإلكتروني، وهو أحد أبرز التحديات الرقمية الراهنة.
كما حذر مجلس شؤون الأسرة من أن الاستخدام المبكر والمكثف للهواتف الذكية قد يؤدي إلى مشكلاتٍ نفسيةٍ مثل العدوانية ومشاعر الانفصال، مما يستدعي تبني برامج وطنية شاملة تعزز الوعي والوقاية النفسية، وتشجع على الاستخدام المتوازن للتقنية.
حماية رقمية
في مواجهة هذه التحديات، أدركت المملكة مبكراً أهمية بناء منظومة حماية رقمية متكاملة للأطفال. فبينما تشير الدراسات إلى أن 63 % من السعوديين لا يدركون خطر التنمر الإلكتروني، تعمل الجهات المعنية على سد هذه الفجوة عبر برامج توعوية وتشريعية وتنظيمية.
ويشكل نظام مكافحة جرائم المعلوماتية إحدى الركائز الأساسية هنا، إلى جانب رفع مستوى الوعي لدى الأسر والأطفال حول السلوك الرقمي الآمن. كما يجري العمل على تطوير أدواتٍ تقنيةٍ تساعد الأسر في مراقبة المحتوى وضبط أوقات استخدام الأجهزة.
ويرى خبراء أن الحماية الفاعلة للأطفال في البيئة الرقمية لا تتحقق عبر القوانين فقط، بل بتعاون متكامل بين الجهات الحكومية، ومقدمي الخدمات الرقمية، والمدارس، والأسر.
خط الدفاع الأول
يؤكد تقرير OECD أن التعليم والأسرة هما حجرا الزاوية في تعزيز الثقافة الرقمية المسؤولة لدى الجيل الجديد. فالمعلمون لم يعودوا مجرد ناقلين للمعرفة، بل أصبحوا مرشدين رقميين يوجهون الطلبة نحو الاستخدام الآمن والمسؤول للتقنية.
توصي تقارير الـOECD بدمج مهارات المواطنة الرقمية والتفكير النقدي ضمن المناهج الدراسية، حتى يتمكن الأطفال من تحليل المعلومات، وتجنب التضليل، والتفاعل بوعيٍ مع الفضاء الإلكتروني.
أما الأسرة، فتبقى الجهة الأكثر تأثيراً في تشكيل سلوك الأطفال الرقمي. ويؤكد المتخصصون أن الحوار المفتوح بين الآباء والأبناء حول استخدام الإنترنت، ووضع قواعد واضحة لاستخدام الأجهزة، يساهم في الحد من السلوكيات السلبية ويعزز الثقة والمسؤولية.
مستقبل ذكي
يتجه العالم نحو مرحلة جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي AI والواقع الافتراضي VR، ما يفتح آفاقاً تعليمية وعلمية واسعة أمام الجيل القادم. غير أن هذه التقنيات تحمل أيضاً مخاطر محتملة مثل التحيز الخوارزمي، والاختراقات الرقمية، وتآكل الخصوصية.
وفي ظل توجه المملكة نحو تبني هذه التقنيات ضمن رؤية السعودية 2030، يصبح من الضروري وضع إستراتيجيات دقيقة لاستخدامها بشكلٍ آمنٍ ومسؤول في بيئات الأطفال التعليمية والترفيهية.
يشمل ذلك تطوير محتوى تعليمي آمن يعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتحديد فترات استخدام مناسبة، وإشراف الكبار على المحتوى المقدم، لضمان أن تكون التكنولوجيا وسيلة تمكين لا مصدر تهديد. وكذلك تخصيص هيئات حكومية سعودية تراقب المواقع والمحتوى الخاص بالأطفال مثل هيئة تنظيم الإعلام.
ويرى المختصون أن مستقبل الأطفال في العصر الرقمي يجب أن يُبنى على توازنٍ دقيقٍ بين الانفتاح التكنولوجي والوعي الإنساني.
3 اتجاهات رئيسة
أكد خبراء ومتخصصون تقنيين لـ«الوطن» بأنه تُظهر المؤشرات أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو بناء بيئة رقمية آمنة ومستدامة، تواكب الطموحات التنموية، وتضع رفاهية الطفل في صميم التحول الرقمي. ولتحقيق ذلك، يتطلب الأمر استمرار العمل في 3 اتجاهات رئيسة:
أولاً: تعزيز التوعية الأسرية والتعليمية لتنشئة جيلٍ واعٍ بمخاطر الإنترنت.
ثانياً: تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية لمواكبة سرعة التطور التقني.
ثالثًا: إطلاق مبادرات وطنية تشاركية تجمع بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني لحماية الأطفال وتمكينهم رقمياً.
وفي النهاية، لا يمكن فصل الرقمنة عن مستقبل الطفولة في المملكة، لكنها تحتاج إلى إدارة رشيدة تضمن أن تبقى التقنية أداةً للارتقاء بالإنسان لا عبئاً عليه.