يعدّ علم المستقبل واستشراف ملامحه، بيئة استطلاعية مهمة تحظى باهتمام كبير من لدن المعاهد والجامعات الأوروبية والأميركية، وعلى الرغم من التقدم الهائل الذي أحرزته دراساتهم العلمية والبحثية عبر تقنية الذكاء الاصطناعي وأدواتها الدقيقة في الرصد والتنبؤ المستقبلي، إلا أنها تظل أحيانا عاجزة تماما عن تفسير وفهم بعض المسارات التنبؤية لأحداث المستقبل البشري. وحول تلك الدراسات ونتائجها، فإن هناك بعض الدراسات البحثية التي أكدها كثير من المفكرين الاجتماعيين والمحللين السياسيين عقب الثورة التقنية التي شهدها العالم في العقد الأخير، عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي الشهيرة كتويتر وفيسبوك وواتساب وعبر أنظمة أبل وأندرويد، وإن المجتمعات البشرية في الشرق والغرب ستسودها لغة تفاهمية مشتركة، ستقضي على مفهوم العنصرية، بل وستنقرض مفاهيم سلبية وضارة على البشر كالشعبوية وثقافة الكراهية والتعصب، بل إن تلك التطبيقات التقنية ستساعد كثيرا على تهاوي الصراعات بين الحكومات والدول حول العالم، وستقلل بقوة من التباين المجتمعي بين الأعراق البشرية، ولكن الاستفهام حول تلك الدراسات يظل شائكا اليوم، فهل تحققت تلك التنبؤات المستقبلية؟!! إن واقع الأحداث المجتمعية والسياسية اليوم ينذر بنتائج مضادة تماما لتلك الدراسات والتنبؤات الخاطئة، فهذه التطبيقات الاجتماعية قد أسهمت في تعميق الفجوة داخل المجتمعات البشرية، وعلى أضيق النطاقات كالأسرة والأقارب على سبيل المثال، فنظم التواصل الاجتماعي التقليدية والموروثة عبر تقادم الأجيال والمتأصلة مثلا من خلال فعل زيارة التهنئة التي ربما تكون مفاجأة، أو زيارة العزاء، قد شرعت تتلاشى تدريجيا بالفعل لمصلحة رسالة إلكترونية مكتوبة على أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي والتي قد تفي بالغرض الاجتماعي. وحول أحداث نيوزيلندا الإرهابية الأخيرة، شاهد العالم كله كيف بث ذلك الإرهابي مقطعه الدموي على الهواء مباشرة، عبر تطبيق فيسبوك، ليعيدنا إلى تلك الدراسات الخاطئة التي بشرت العالم بانتهاء العنصرية والشعبوية، بينما أن الذي وجدناه في واقعنا هو أن تلك التطبيقات التقنية قد أضحت نمطا أساسيا في نشر ثقافة الكراهية وتأصيل التباين داخل المجتمعات البشرية وتكريس الشعبوية المقيتة، وأن المجتمعات الإنسانية عموما وفي الغرب خصوصا، في حاجة ماسة لمبادئ الفطرة التي تترسخ على التواصل الاجتماعي الحقيقي وليس النمط الافتراضي، وأنها في حاجة أيضا إلى الغريزة الإنسانية التي تتمنهج على ثقافة التسامح والتعايش البشري.