لكل مجتمع مشكلاته الخاصة به، والتي هي وليدة بيئته وثقافته وطبيعة أفراده، ولا شك أن المجتمعات درجت على إيجاد الحلول لمشاكلها عبر طرق قد تبدو غريبة وغير مألوفة، وفي هذا المقال أود التطرق لظاهرة انتشرت وتنوعت أشكالها، ألا وهي ما أسميه سوق وسطاء الزواج. إن اللجوء لوسيط زواج للعثور على شريك الحياة موجود في مجتمعات عدة، ومنذ زمن بعيد. ولا أقول هنا إن الزواج عبر هؤلاء الوسطاء هو الطريق الأفضل، خاصة في هذا العصر، ولكني أشير إلى أن الحاجة لوجودهم قائمة ونشاطهم يلقى رواجا كبيرا لدى كثير من طبقات المجتمع. وما دام وجودهم ليس محل نظر فلا أقل من إمعان النظر في كيفية هذا الوجود وسلامة ممارساته من النواحي الشرعية والقانونية. وسطاء الزواج، نساء ورجالا، يقدمون خدمة جليلة لمجتمع محافظ محدود الخيارات. هذا أمر لا شك فيه، ولكن شأن كل عمل فوضوي لا يضبط بالقانون، كان بعض هؤلاء الوسطاء سببا في الضرر وليس الإصلاح. الواقع أن انفلات هذا العمل من الأطر المؤسساتية أسهم في تحويله إلى سوق عشوائي بضاعته البشر، وأسهم بطريقة وأخرى في زيادة نسب الطلاق، لأن طرقهم ومناهجهم ترضي طرفا على حساب طرف آخر، وأحيانا قد يخفون بعض الأشياء عن تاريخ طرف ما، لأن أحدهم دفع مالا طائلا، ولعل أخطر ما في هذا المجال هو فوضى العقود غير الموثقة أو المؤقتة الشفوية، والتي تجري على مصافحة اليد، وهي لهؤلاء الوسطاء تعد صفقات سريعة مربحة جدا، ناهيك عن الاستغلال المادي لطالبي الزواج، خاصة الأثرياء منهم والموسرين. إنني في هذا السياق أدعو وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بصفة خاصة إلى القيام بدورها في متابعة هذه الظاهرة، والإشراف المباشر على وسطاء الزواج، وتقنين هذه الظاهرة حتى إذا خالف وسيط القانون يتم عقابه. إن حاجة المجتمع لا يجب أن تستغل من الطامعين وعديمي الخبرة، وأنا هنا أدعو لتحويل وساطة الزواج إلى عمل تشرف عليه الوزارة بشكل مباشر، سواء من خلال منح تصاريح للعاملين في هذا المجال، وفرض الرقابة عليهم أو حصر هذا العمل أساسا في المراكز الاجتماعية، وباستخدام منهجية عمل مدروسة تكفل لطالبي الزواج من الجنسين الخصوصية والأمان والمعاملة الإنسانية. كما أنني في الختام أدعو الجهات المعنية بنشر الوعي وثقافة التغيير إلى إعادة تقييم تجربتنا الاجتماعية، فهذا قد يكون أحد المعطيات المهمة لتغيير بعض التفاصيل في المشهد بشكل عام، وفي آليات الزواج وبناء الأسرة بشكل خاص... خاص جدا. @aaljaied