ما زلت أتذكر نظرات الاستغراب والدهشة التي كان يبديها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في لقائه الأول مع تركي الدخيل، والذي رسم فيه للناس خطواته الإصلاحية والتصحيحية.
أقول، ما زلت أتذكر تعابير عدم الرضا، وهو يرد على استفسار الدخيل حول الأرقام الخاصة بالتسليح والإنفاق العسكري للسعودية، ومقارنته بالصناعات العسكرية المحلية، والتي كانت تشكل في ذلك الوقت فقط 2%.
ولمن لا يذكر اللقاء فإن الأمير قال: بأن السعودية جاءت في المرتبة الرابعة لعام 2014 في قوائم الإنفاق العسكري، وجاءت في المرتبة الثالثة لعام 2015، ويضيف، أن إنفاق القوات العسكرية السعودية بكافة قطاعاتها يفوق إنفاق بريطانيا وفرنسا. وأضاف: أنه من غير المعقول أن نكون ثالث أو رابع أكبر إنفاق تسليحي، وتصنيف جيشنا يأتي في نطاق العشرينات بين جيوش العالم.
في ذلك الوقت، كان الأمير يتحدث للناس عن أن المملكة سوف تصل عام 2030 إلى توطين ما لا يقل عن 50% من هذا السوق، وكانت الثقافة العامة للعاملين في هذه الصناعة ترى أن هذا الرقم أمر مبالغ فيه، إلا أنني عندما أرجع الآن إلى اللقاء وأشاهد الثقة التي كان يتكلم بها الأمير محمد بن سلمان، أعيد الإدراك في أهمية القوة التي تنبعث في المنظمات في حال معرفة قياداتها مكامن القوة والضعف، وأنه فقط بتضافر الجهود سوف تضاعف الإنتاجية للأفضل مرات ومرات.
في اللقاء، كان الأمير محمد بن سلمان، يرى أن موضوع رفع نسبة توطين الصناعة العسكرية بسيط وسهل جدا، ولا توجد فيه أي صعوبة أو تحديات، وأنه فقط سوف يرتكز على محورين، وسيضمن -بإذن الله- نتائج جيدة. الأول: أنه سيعيد سياسات هيكلة الصفقات العسكرية مع القوى المنتجة عالميا ومن ثم ربطها بصناعات داخلية. والثاني: ضبط كفاءة الإنفاق التشغيلي داخل الجهات العسكرية والأمنية وإيقاف الهدر المالي.
في وثيقة الرؤية جاء بند (توطين الصناعات العسكرية) جنبا إلى جنب مع (سوق الطاقة المتجددة) كأحد الالتزامات الرئيسية للرؤية. وبطبيعة الحال لا يمكن الاستمرار في تطوير التوطين بدون قيادة فاعلة تدير دفته بالشكل الجيد. ومنذ أغسطس من عام 2017 وهو تاريخ إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية، والجميع بدأ يدرك أن تلك الثقة التي تحدث بها (وزير الدفاع) بخصوص هذا القطاع، هي ثقة إدراك، مبنية على واقع اقتصادي وسياسي متين، وأنها سوف تصل إلى مستهدفاتها، وربما قبل وقتها المحدد لها.
شخصيا، كنت أتوقع أن يتم تعيين إحدى الشخصيات القريبة من الأجواء العسكرية على هذه الهيئة، وذلك لأن هذه الهيئة لها مهامها القيادية المتخصصة في قيادة وتنمية هذا القطاع المهم. وبالمناسبة فقد أشارت وثيقة الرؤية (بشفافية متناهية)، إلى أننا في السعودية وحتى إعداد الوثيقة، لا نملك سوى سبع شركات ومركزين متخصصين للبحث في هذه الصناعة. أقول، بأنني كمتابع، بقدر ما قرأت الرسالة التي أرسلها خبر تعيين المهندس أحمد العوهلي، وهو المتخصص في قيادة وتطوير الصناعات البتروكيماوية والتحويلية على الهيئة الجديدة، بقدر ما أدركت حجم النقلات المرغوب من الهيئة إحداثها على هذه الصناعة في الفترة المقبلة. وأنا متفائل جدا بأنها ستحدث، بإذن الله.
لو كان لي من رأي أقدمه لمحافظ الهيئة لأشرت عليه بأن يجعل من ضمن أهدافها، والتي أشار إلى بعضها في بيانه الأول، أن ينشئ معهدا خاصا لتطوير وتنمية القيادات الشابة المتخصصة في هذه الصناعة، بحيث يكون من مهام هذا المعهد استقطاب الخريجين المتميزين من الجامعات السعودية والعالمية، وتدريبهم وتأهيلهم لمدة عام على المهارات الأساسية لهذا القطاع، من إدارة، وقيادة، وتفاوض، ومعرفة بأسس الحوكمة الصناعية، وأيضا القدرة على التحليل الواقعي المبني على الأرقام لهذا القطاع، يضاف لها إمدادهم بمبادئ إدارة المصانع. وبالتالي تسليحهم بالمهارات الأساسية التي تساعدهم على بناء وتطوير الشركات والمصانع العسكرية والصناعية، ومن ثم قيادتها وإدارتها بالشكل المتميز.
أيضا سأشير عليه بأن يوقع شراكة مع وزارة التعليم، للتوسع في تهيئة المراكز البحثية المتعلقة في هذا الجانب داخل الجامعات الحكومية، والمتوزعة في جميع المدن السعودية. والذي بالطبع سيضمن أمرين، الأول: عدم الحاجة إلى استثمار أموال من ميزانية الهيئة لهذا الشأن. والثاني: سحب أقدام الأكاديميين لدمجهم في أجواء هذه العمليات الصناعية الضخمة، خصوصا أنهم في الجامعات يعتبرون مراكز البحث الكبرى، وأنهم المزود الأول لأسواق العمل بالموارد البشرية والفكرية.
الأمر الأخير، سأشير عليه بأن يقيم نشاطات تعاونية مع المجتمع الصناعي، وذلك بالتشارك مع الهيئة السعودية للملكية الفكرية، مثل إقامة مسابقة سنوية ضخمة لأفضل الابتكارات العسكرية والصناعية، ويكون من ضمنها جائزة فرعية متخصصة تُقدم للمخترعين والمكتشفين ممن هم في مراحل التعليم المختلفة.
تذكروا في 2016 كنا محليا ننتج 2% من مجمل هذا القطاع، وبعد 14 عاما من ذلك التاريخ سننتج أكثر من 50%، ولذلك دعواتنا للهيئة ولقيادتها التنفيذية بالتوفيق والنجاح.