المنية، والمروعية، والسواقي، والعاصمية، والسدّة... ونحو ذلك من المسميات المتكررة لآبار قديمة في سراة منطقة عسير، إذ إن جُلّ القرى، إن لم يكن كلها، لا تخلو من وجود بعض هذه المسميات تُطلق على بعض آبارها. ترى ما هو السبب وراء تكرار هذه الأسماء للآبار في كل قرية تقريبا؟ ربما البعض يعتبر هذا تساؤلا طفوليا لا قيمة له! لكن إن أخذنا ذلك ضربا من ضروب الفضول المعرفي، فقد نصل سويا إلى نتيجة، تطرح لنا إجابات منطقية لتساؤلات كهذه.

ذات مرة في قريتي، وقفت على بئر تسمى العاصمية، لوهلة خطر في ذهني أن هذا الاسم قد مرّ علي في كتاب من الكتب، أسعفتني الذاكرة وعدت إلى كتاب ابن المجاور الذي ألفه في القرن السابع الهجري (تاريخ المستبصر) لأجده يصف بئرا شهيرة في نجد تسمى العاصمية! إذن يبدو أن الأمر غير مقتصر على عسير وحسب، بل قد تتعدى شموليته إلى أنحاء الجزيرة العربية، لكن لا أعتقد أن ذلك التشابه أو التمثال في المسميات بمعظم القرى يُعد شيئا من المصادفة، ولم لا، ربما أن الأمر له دلالات تقودنا إلى أجوبة غير متوقعة.

ما إن نحط رحالنا في قرية، إلا ونسمع أهلها يذكرون أن بني هلال هم من احتفروا آبارهم القديمة. تلك الأسطورة الهلالية حدّث عنها ولا حرج! أكاد أجزم أن كل قرية أو كل ناحية من نواحي الجزيرة العربية تزعم أن بني هلال قد استوطنوا أرضهم في سالف الأزمان، ناهيك عن الإسهاب في حكايات الهجرة الهلالية وبطلها الأسطوري أبوزيد الهلالي وزوجته علياء، بل إن بعض الآبار في قرى عسير تحمل أيضا اسم الهلالية، حتى وقر الماء في الصخر ينسبه البعض إليهم، باختصار كل شيء أثري قديم يُنسب إلى بني هلال! لا أود أن يجرنا الحديث إلى موضوع بني هلال ومدى حقيقة تلك المزاعم. ونحن وإن اختلفنا على المعضلة الهلالية، فلا أعتقد أننا سنختلف على أثرية تلك الآبار، فإن مطالعة بعضها، تجعلك تشعر أنها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ؛ من خلال ما تراه فيها من قوة خارقة في حفر الصخر الصلب، وعمقها المذهل، واتساعها الملحوظ، لا سيما الحزوز العميقة في أحجار الطي بفعل الحبال.


قد يقول قائل: إنك لم تُجب على السؤال حول سبب تكرار مسميات الآبار من قرية لأخرى؟ أقول: من الصعب التكهن بإجابة مقتضبة في هذه العجالة، فالأمر يحتاج لمسح ميداني شامل، وليس الخبر كالعيان، لكن ما أوردته هاهنا، لعله يكون مفتاحا لبحث يقوم به آخرون.