لم يحظ بالقبول رأي عن بلاده كرأي اليساري نعوم تشومسكي الذي أكد أن الواقع في الداخل الأميركي قابل للتغير بشكل دراماتيكي، ثم تراجع بأن قال لا بد وليس الآن، لكن العينة لثورة في فرنسا في الأيام السالفة، أعادت إلى الأذهان رأي الفيلسوف العجوز، حيث يتمركز الحلم لدى الشعب الأميركي حول إمكانية الفرصة بالجهد للصعود إلى طبقة مالية أعلى، فبعض الناخبين يعتقدون أن الفرصة ستؤاتيهم لينضموا إلى تلك الفئة الثرية ولماذا إذاً تقاوم واقع الاستبداد بالثروة إذا كنت قد تحصل عليها يوما ما، في ظل عناصر واقعية متعددة قنن لها جيمس مادسن واضع الدستور الأميركي في القرن الثامن عشر، وصممه على أساس (ديمقراطية تعمل بالشكل المطلوب)، باستعمال مظلومية الطبقات الأشد ثراء، وقال إن الدستور يجب أن يوضع لكي يمنع طغيان الأكثرية من خلال مبدأ الديمقراطية الناقصة reduce democracy، وهي الحقيقة الأوكرالية التي ناضل ضدها مالكوم إكس ولوثر كنج بضرورة إصلاح تركيبة المجتمع الأميركي التي تصنع الحلول المنقوصة تعمدا للفقراء، لكي تبقى عاهة الطبقات حاضرة وليست غالبة، فالفاقة والعوز سبب عاهات الديمقراطية كما قاله أرسطو. واستعملت الطبقة المسيطرة كل الطرق حتى تشكيل الأفكار الأيديولوجية خشية من الديمقراطية الفائضة عن اللزوم التي تزايدت في الستينات، حيث الطلاب تمتعوا بحرية فائضة، فتم التغيير بعدها حتى بحجم المباني والقاعات حتى لا تستوعب أعدادا أكبر مع ارتفاع كلفة الدراسة، فيجد الطالب نفسه مديونا عند التخرج بما يتجاوز الـ100000 دولار، بينما التعليم مجاني في دول كثيرة كألمانيا وفنلندا مع التركيز على المهارات الميكانيكية والتقنية على حساب الإبداع والاستقلالية.

واستنكار محاولات النقد ومحاصرة من يقوم بها، فأصبحت هناك أصوات تصنف السلطة على أنها هي المجتمع وهي الناس، وهذا هبوط إلى أفكار العالم الثالث، وكذلك بإعادة تصميم الاقتصاد بزيادة نفوذ المؤسسات المالية التي تملك 40% من مجموع أرباح الاحتكارات.

وهو إحدى نتائج النظام الاقتصادي العالمي المسمى نظام برتن وودز Bretton woods كأحد العناصر الذي قبضت أميركا به ثمن انتصار الحرب العالمية الثانية بحيث تطورت المصلحة الأميركية بشكل منحرف، وذلك برفع القيود عن العملات وإطلاق حرية الاحتكار والتمويل والتحول من إنتاج السلع إلى إنتاج الأموال والأرباح، فتم نقل المعامل والتصنيع والطاقة الإنتاجية إلى خارج أميركا التي تحولت إلى عالم الإنتاج الحقيقي في آسيا وانعدم الأمن الوظيفي للعامل الأميركي، ليعود معه للاقتراض من مؤسسات الاحتكار التي تمنح أغلالا بسخاء، وتصنع للمقترض وهم الثروة مع زيادة ساعات العمل وانخفاض أجرها مقارنة ببقية الغرب، فتقل ساعات التفكير وتزيد المخاوف والاستسلام لاتباع الأوامر.

إضافة إلى نقل الأعباء ووضعها على عاتق الآخرين ببروز ظاهرة الإثراء المتنفّذ الفاحش plutonium and precariat، وهم ملاك رأس المال الضخم أو من يملكون صلة بالمتنفذين أو يحملون الصفتين مع حرص على تصنيع منتجاتهم خارج أميركا بالقوة الناعمة والخشنة لبلادهم ولا يعنيهم الصحة السياسية في الداخل.

وصلت العبارة بتشومسكي (اذهب إلى أوروبا أو اليابان وعند عودتك ستجد أمامك حقيقة ظاهرة وصادمة وهي أن البلد تتهاوى وستشعر أنك عائد إلى بلد من بلدان العالم الثالث، فالبنى التحتية قد أصابها الخراب ونظام الرعاية الصحية في وضع عاجز ومرتبك، والنظام التعليمي فاشل أشد الفشل، ولا شيء يعمل بالشكل المطلوب، و-أصحاب الكلمة- يراقبون بشكل سلبي ونظامهم الدعائي يعمل بقوة) ويدعمها السيطرة على مراقبي التعليمات القانونية وشراء ذممهم، لدرجة أن البنوك وجماعات الضغط هي التي تكتب نصوص القوانين للرقابة المالية بعد إيصالهم لمواقع التشريع بأموال الدعايات الانتخابية، ويعمل لمصلحة الاحتكارات وغيرها ما يزيد على مئة من اللوبيات، 95% منها تمثل رجال الأعمال.

مع هندسة الانتخابات من خلال شخصنة الاحتكارات بجعل الشركات ذات النفوذ كشخصية اعتبارية لها حق الاحتكار، بل التدخل في الانتخابات بكلمتها ومالها كأنها فرد، ودعمتها بأحكام قضاة المحكمة العليا الذين يتم ترشيحهم لمناصبهم من قبل رؤساء وصلوا إلى مراكزهم بتمويل من رجال الأعمال والاحتكارات تحت عنوان (الاستثمار في السياسة).

ويبقى أن العلاج كواجب عاجل لكل الأمراض التي شخصها بحرية نسبية يمكن البناء عليها لتحقيق إنجازات لا يمكن حصرها وبيد أشخاص مسالمين مجهولين لتبعد بلاده عن حافة الهاوية التي سيدفع كل العالم آلام سقوطها، فالثورة الأميركية في القرن الثامن عشر ضد الإنجليز والإقطاعيين قامت على مبادئ حرب العبودية وقهر الإنسان، والمجتمعات التي تتخلى عن مبدأ وسبب قيامها في خطر إن تخلت عن المكون لذلك السبب ما لم يكن البديل لمصلحة حقوق الإنسان.

أما الفيلسوف العجوز فقد جمع كل تحذيراته وصرخاته في كتاب وسمه بـ(وداعا للحلم الأميركي).