ورغم التحديات العديدة التي تشهدها البحرين، ومحاولة عرقلة مسيرتها وافتعال الأزمات، التي يقوم بها النظام الإيراني، الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة لزعزعة أمن واستقرار الدول العربية عبر افتعال الخلافات المذهبية والطائفية، وإذكاء وتأجيج النزعات العنصرية، إلا أن تماسك الشعب البحريني بالتفافه حول قيادته أفشل المؤامرات وأبطلها.
واستطاعت البحرين خلال العقدين الماضيين أن تؤسس بنية حديثة ومتنوعة عززت مكانتها كمركز تجاري ومالي وسياحي رئيس في المنطقة. كما حققت إنجازات حضارية ضخمة تشكل عنوانا لمرحلة زاهرة من التحديث الشامل الذي يقوده بكل اقتدار عاهلها، من خلال المشروع الإصلاحي الذي شكل دعامة أساسية لكل مشاريع التطور والنهضة في البحرين، على المستويات كافة، لا سيما على صعيد الإصلاحات السياسية والديمقراطية وصون حقوق الإنسان ومجالات التنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة وتعزيز مكانة المرأة.
والملاحظ أن مملكة البحرين ظلت تسير وفق خطط إستراتيجية مدروسة وواضحة تستهدف المستقبل بعيد الأمد، وهذه الإستراتيجية تحمل توجهات ورؤى تنموية واضحة، وفق معطيات واقعية تستصحب إمكانات البلاد، وتقوم على تفعيل كافة مقدراتها الطبيعية والبشرية، للوصول إلى الأهداف المنشودة، وفي الوقت نفسه تعتمد على تحقيق أكبر قدر من التنمية المتوافقة مع ما تشهده من جهود حثيثة لتعزيز مناخ الحرية والانفتاح والتطور والمواطنة، وتعزيز حقوق الإنسان، التي تعد في مقدمة القضايا الأساسية التي توليها البحرين اهتماما كبيرا، وتبذل في سبيلها جهودا مقدرة، استنادا على مشروع التحول الديمقراطي الذي شهدته خلال العقدين الماضيين. وتقوم إستراتيجية ذلك المشروع على احترام مبادئ النظام الدولي، خصوصاً المرتبطة بحقوق الإنسان، والتي تعد في الوقت ذاته مرجعية أساسية تستند إليها وثائق المشروع الإصلاحي، وتشمل ميثاق العمل الوطني ودستور البحرين، الذي يشير في البند الثاني من الفصل الأول إلى أن الحريات الشخصية مكفولة، والمساواة بين المواطنين والعدالة وتكافؤ الفرص دعامات أساسية للمجتمع. وهذه النصوص الواضحة تمثل منظومة متكاملة لحقوق الإنسان، تتوافق وتتناغم مع المعايير الدولية المرعية لحقوق الإنسان، وتنسجم في ذات الوقت مع موروثات البحرين وتقاليدها العريقة التي تعارف عليها المجتمع منذ وقت طويل.
ولم يقتصر اهتمام البحرين خلال الفترة السابقة على مجرد نصوص جامدة يتضمنها الدستور وتحفظها القوانين والأنظمة، بل انعكس ذلك بشكل حقيقي إلى ممارسة فعلية على أرض الواقع، أكدتها الحقائق، سعيا وراء توفير الضمانات التي تكفل صيانة واحترام حقوق الإنسان وكرامته، وذلك عبر استحداث المؤسسات المعنية بالشأن الحقوقي، مثل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، التي تتمتع بصلاحيات واسعة واستقلالية تامة جعلتها تتوافق مع المبادئ الدولية المرعية في هذا الصدد، وشهد العقد الماضي كذلك تأسيس عدد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية المعنية بالدفاع عن تلك الحقوق الأساسية، وهو ما يعكس تنامي الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان، باعتبارها مدخلا رئيسيا لإيجاد مجتمع مدني يقوم على أسس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. ولم تكتف البحرين بكل تلك الخطوات، بل إن التزامها وصل حد أن نظامها الدستوري يكفل تساوي الاتفاقيات الدولية مع القوانين الداخلية، وبذلك فهو يتميز بأنه أخذ بأسلوب «النفاذ المباشر»، بمعنى أن نصوص تلك الاتفاقيات الدولية تصبح مباشرة ضمن القوانين الداخلية للدولة، وذلك بعد استكمال إجراءات الانضمام أو التصديق عليها، مما يوفر ضمانات كاملة لحقوق الإنسان في البلاد.
ومما يثير الإعجاب أن مشروع الإصلاح الوطني الشامل الذي تعمل الدولة على تحقيقه ليس مجرد أفكار ومشاريع اقتصادية لتحقيق دخل مادي، بل هو مشروع متكامل يهدف إلى تعزيز ورفع مستوى معيشة المواطن، وتحقيق أعلى مستوى من الرفاهية له، ولعل اقتراح جلالة الملك حمد بإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان تحت مظلة جامعة الدول العربية يعكس اهتمام البحرين بتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وقد كان لي شرف عضوية فريق الخبراء القانونيين العرب الذين كلفوا بإعداد النظام الأساسي للمحكمة، والذي أقر في القمة العربية المنعقدة بالكويت 2013. ويأتي فوز البحرين بعضوية مجلس حقوق الإنسان للدورة القادمة للفترة 2019-2021 نتيجة حتمية لجهودها في مجال حقوق الإنسان والحريات، ويأتي كل ذلك حصاداً لنبتٍ سُقي بعقولٍ مفكرةٍ وقيادةٍ رشيدةٍ لمملكة البحرين. ونشاهد اليوم وعلى أرض الواقع البحريني ما أثمره هذا الجهد الذي لا ينكر من ترسيخ لمبادئ حقوق الإنسان والحريات في البحرين، وترجم ذلك بالفعل لنرى في المملكة الشقيقة مسيرة عظيمة نحو البناء والتنمية بما يحقق الرخاء ويضمن الحرية والعدالة الاجتماعية في كافة المستويات.