ذهبت صاحبتنا، الفتاة العشرينية، خريجة كلية الطب البشري، إلى العاصمة دكا، عاصمة بنجلاديش، حيث يعمل والدها هناك، ولأن والدها تحمل تكاليف دراستها الباهظة الثمن، فقد قررت أن تفاجئه في مقر عمله وتشكره أمام عملائه «المستفيدون من خدمات وظيفة والدها»، الذين لولاهم لما استمر والدها في هذا العمل. وبعد رحلة طويلة من الرياض إلى بنجلاديش، وصلت إلى دكا، ولأن والدها قد شغفها حبا، فلم يشغلها عناء السفر وتعبه عن الذهاب مباشرة إلى مقر عمله، وبعد وصولها إلى مقر العمل، أبلغها زملاؤه أنه يعمل في الميدان، خصوصا أن هذا وقت الذروة لعمله، وفرحت لأنها وصلت في الوقت الذي ستصرخ أمام عملاء والدها، وتقول لهم، إنه بسبب كثرة الأعمال التي توكلونها لوالدي، واستمراركم في ذلك، فقد حصلت على شهادة الطب. ووصلت أختنا ذات العين الدامعة والخد المنهك من السفر، إلى ميدان عمل والدها، وبدأت تراقب العملاء والمستفيدين، لتختار أكبر مستفيد أوجد عملا لوالدها، وإذا به «بزر» على قولة البعض، يرمي حافظة كرتونية لوجبة سريعة تملؤها قطع الشيبسات والسناك، لتنسكب على الأرض بالقرب من سلة المهملات، وخلال هذا العمل قام أحد الشباب برمي مخلفات سجائره على الأرض، بالقرب من عمل «البزر»، وبدأت طلبات أعمال المستفيدين تنهال على والد الفتاة، وشيبات لحيته تصرخ قائلة، يا معشر القوم، ارفقوا بظهره فإن عمره تجاوز الستين، ولم يعد ينجز عمله بسرعة الإنجاز نفسها التي كان يلتقط بها «مهملات» المهملين لإنسانيتهم قبل أي اعتبار آخر.

أختنا خريجة الطب كانت تعلم أن والدها يعمل على نظافة مدينة دكا، وكانت تعتقد أنه يقوم بتنظيفها من أوراق الشجر ومخلفات البيئة، وليس تنظيفها من مخلفات المواطن الذي جلب والدها ليعيش حياة نظيفة.

المصيبة أن هذا العامل لديه خبرة تتجاوز الثلاثين عاما في العمل نفسه والمكان نفسه، ولم يتغير، إلا أنه بدلا من أن الشاب كان يرمي مهملاته لهذا العامل، أصبح ابن هذا الشاب هو من يقوم بذلك بدلا، وراثة لأخلاقيات والده.

هذه القصة كانت لتحدث يوميا لو أن إحدى بنات عمال النظافة قد سافرت إلينا لترى العملاء الذين يستمرون في توفير العمل لوالدها، فقبل أن تهمل إنسانيتك وترمي مهملاتك في غير المكان المخصص لها «تخيل أنك مكانها».