الصوم برنامج تدريبي تربوي رباني، له أهدافه، يرسم فيه الله -سبحانه وتعالى- من الإجراءات ما يساعد الإنسان ويدفعه على أن يتدرب على ضبط النفس والعفو والتسامح.

إن الصوم يهذب النفوس والقلوب، ويضفي عليها روحا أكثر تسامحا وتقبلا للغير، منوها إلى أن الصائمين يكونون في رمضان المبارك كأنهم يتمتعون بروح رياضية، فيكونون أكثر تصالحا مع أنفسهم وأكثر تسامحا مع الآخرين، وهو ما يظهر في حياتهم العملية، إذ نجد الصائمين كأنهم في مرحلة التربية مع المحبة والاحترام والتراحم والتعاطف والتصالح والعفو والتسامح،بشكل يفوق عن الأيام الأخرى من العام.

إن للشهر المبارك فضلاا كبيرا في تغيير سلوك الناس، ندرك في هذا الشهر تغيرا واضحا في طريقة التعامل بين الناس، يعتمد في جوهره على العفو والتسامح. ويبدو الناس أكثر تسامحا فيما بينهم في جميع مناحي الحياة، وذلك نتاج طبيعي وسلوك عام يتميز به الشهر المبارك في حال وجودها، والرقي في التعامل والحرص على أن يكون اللسان طيب الذكر لينالوا أجر الصيام كاملا.

إن رمضان شهر مبارك، تتهيأ فيه النفوس لتقبل على طلب العفو.

وإن طبائع المسلم تعدّ النموذج الحقيقي للأخلاقيات والسلوكيات التي يجب أن يكون عليها طوال حياته، من التحلي بالعفو والتسامح والتحاور بنفس راضية مع الآخرين.

إن هذا البرنامج الرباني يدرب الإنسان على ضبط انفعالاته، وفي إشباع هذا الدافع تحقيق لأبعاد نفسية مهمة، وبروز لخصائص بشرية إيمانية فعالة، نجدها في التراحم أو صلة الرحم والتعاون والعفو والتسامح.

فإن الصوم ينمي عند الإنسان عواطف مهمة تلعب دور الدافعية، مثل عاطفة الحب في الله، فإن الإنسان الصائم يسلك ما يقربه إلى موضوع هذا الحب، سواء أكان الموضوع إنسانا أو مادة أو كائناً، ويبعده عن عاطفة الكراهية.

فالصوم يدرب الإنسان على الصبر: صبر على الطاعة، والصبر على المصيبة، وصبر على النفس، وصبر في المعاملات والسلوكيات الحياتية بين الناس، وفي الصوم صبر على النفس بشهواتها.

والصبر ليس كبتا -كما يظن البعض- لأنه يتم على مستوى الشعور، ويقوم به العقل بنزعة روحية تصل بالإنسان إلى التوازن.

يدرب الصوم الإنسان على الكبت الإيجابي، المتمثل في كظم الغيظ، وكظم الغيظ فيه السبيل لنفس مطمئنة، إذ لا تتأثر بألوان الأذى والعدوان، فلا تنزع إلى الانتقام أوكبت مشاعر وإضمار عدوان، بل تحيل هذا كله إلى عفو وتسامح. وكظم الغيظ هو قمة الصبر، فإنه يعني عدم التعبير عن انفعالات الإنسان عدوانا وانتقاما أو كراهية، ومن ذلك أن يعفو المسلم عمن ظلمه، ويصل من قطعه، ويعطي من حرمه، ويجعل من الشهر الكريم فرصة للعفو والتسامح.

إن شهر الصيام معناه أن يكظم الإنسان الغيظ، وأن يعفو عن الناس، وأن يتسامح ويتصالح مع من أساء إليه، أو من كان على خلاف معه قبل رمضان. إن شهر رمضان فرصة للمصالحة والمسامحة، ففيه يتصالح المسلم مع نفسه ومع الناس، ويبدأ صفحة جديدة في حياته.

إن هذا الشهر هو شهر العفو والتسامح والمحبة والسمو الروحي. فالمسلم في هذا الشهر يجب أن يبدأ رحلته معه بالعفو والتسامح ليتحلى بأخلاق كريمة فاضلة تدوم طوال العام.