الغريب أن البعض وكأنه يعاني فقدان الذاكرة سنويا، فتجد من يطالب بحظر الببجي اليوم، نسي أنه كان بالأمس القريب أحد المطالبين بحظر استيراد جوال الكاميرا، وكان من المناهضين للبلاك بيري ماسنجر، أما واتساب الذي يعمل بآلية شبيهة به، فلا بأس، لأنه وفّر ورقة طلبات البقالة بعد إنشاء جروب العائلة، ونسي أن كل مطالباته التي لم تتحقق، لم يكن لها ذلك الهول الذي كان يوقظه من سبات نومه.
أما عن مسببات مطالباتهم لحظر لعبة الببجي، فتذكر إحدى الأمهات، أن ابنها لم يرد عليها لعدة ساعات متواصلة، حتى ظنت أنه فقد الوعي، والآخر يقول إنه دخل إحدى الوزارات وسأل موظف الاستقبال عن موقع مكتب الوزير، فلم ينظر إليه الموظف، بل رد عليه بقوله «أول مدخل يسار، ثاني باب يمين»، وبعد أن ذهب إلى العنوان، وجده مخزنا لأدوات النظافة، والآخر يتهم موظف البنك بأنه لخبط في عملياته البنكية لهذا السبب ووووو... إلخ.
ولكن، لماذا لا نجد دائما من الحلول، إلا القمع والمنع والحظر.
أول خطوة في الحلول هو تحديد المشكلة والسبب، فلماذا لا تطرح هذا السؤال على ابنك، أو تقومين بطرحه أيتها الزوجة على زوجك الذي يبعدك عن صلب موضوعك مع أقرب مخرج، ليواصل تغيير بندقيته في اللعبة.
لماذا تلعب هذه اللعبة؟.
لن يدمن أحد ما على أمر معين، ما لم يكن تحقق له لذة خاصة تبعده عن أمر ما، فإذا كان لهذه اللعبة لذة خاصة بها، فهذا يعني أن حياة مدمن هذه اللعبة تخلو من أي لذائذ أخرى، رغم جمال الحياة، وكثرة ملذاتها، إلا أننا قد نكون سببا في تضييق الأفق على من نرعاه لنجعله يمسك باللذة الواهمة، ويمططها ويفردها لتبقى لذة بالساعات.
قبل أن أطالبك بترك ما تدمن عليه، لا بد أن أعرف المسبب الحقيقي لإدمانك، وألا أستمع لمن يقول «فراغ»، فهذا الموظف ترك الوزير ومراجعيه، والآخر ترك عملاء البنك، فأين الـ«فراغ»، بل توجهوا لما يشعرهم باللذة، وقد نكون نحن من جعلهم يشعرون بأنها حقيقية، لأننا لم نفرغ وقتنا لهم حين كانوا طينة طرية لزراعة بذرات اللذة الحقيقية، وبعد انتهاء موسم الحصاد وجفاف الأرض، ولأن المدمن يرى جنته فيما أدمن عليه، فنحن لم نشعر بك عزيزي المدمن، لـ«نطالب بحظر الببجي لتعيشها واقعا».
نظرة للسماء: حينما يصل الأمر إلى القمع، فهذا يعني رغبتنا في قطع ما كان موصولا، بينما بناء الجسور، هو لإيصال ما كان مقطوعا.