وسط أجواء روحانية هيأتها مكة المكرمة حول المطاف وبجوار المقام وزمزم، قضى زعماء العالم الإسلامي قمتهم التي تآلفت القلوب حولها، وجاء المشاركون فيها من كل حدب وصوب، وحضر فيها رؤساء دول ومعتمرون وزائرون، مما يؤكد أنه لم تكن أي دولة قد غابت عن هذا اللقاء التاريخي، بحكم أن من يصل إلى مكة هو يمثل بلده وجنسيته ومكانه في هذا العالم، حتى بلاد الأقليات حضرت معمرة إلى مكة لتشهد ختم القرآن الكريم ولياليه الفاضلة التي تعبق بالقرآن الذي نطق بقوله «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا».

ومن علامة نجاح الاعتصام بهذا الكتاب أن رأيت تجاوبا سريعا لحضور القمم التي عقدت في رحاب مكة المكرمة، مهوى الأفئدة، فكيف وقد تجاوز من جاء إلى البقاع الطاهرة معايير المؤتمرات، كما صرحت بذلك الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والخارجية السعودية، مؤكدة نجاح المقصد الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين لإقامة الحجة على من يتربص بالمسلمين، وقدسية الحرمين والإضرار بالديار المقدسة، بما تطلقه عناصر الانقلاب الحوثي في اليمن مدعومة من إيران من صواريخ على مكة المكرمة والآمنين فيهما، لكنها -ولله الحمد- تبوء بالفشل، وصدق فيهم قوله تعالى «كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا».

لقد جاءت هذه القمم لتؤكد المصير الواحد، وأن ما يمس أمن المملكة يمس أقصى بقعة في العالم الإسلامي، حيث يتوجه إلى مكة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، كلهم نفس واحد وكلمة واحدة، لا إله إلا الله محمد رسول الله، طاعة لله -سبحانه وتعالى- وحماية لبيته العتيق، والسعودية -ولله الحمد- قادرة على قطع يد كل من تسول له نفسه المساس بأمنها وبلادها الطاهرة.


لكن هذا المؤتمر الإسلامي إنما هو بلاغ مكة إلى الدنيا كلها لتكون شاهدة على الأعمال التخريبية تجاه بلاد الحرمين ومنطقة الخليج، بل إيذاء العالم كله.

إن ما عاشته مكة المكرمة من روح سادتها المحبة والألفة والصدق في المشاعر عبر هذا الحضور اللافت الذي باركته كلمة خادم الحرمين الشريفين الموجهة إلى المسلمين عامة، والتي رسم من خلالها قيم الوسطية والاعتدال، والإشارة إلى نجاح هذه الوحدة الإسلامية التي باركها بإعلان وثيقة وبلاغ مكة التي أرسلت عدة رسائل إلى دول محور الشر، التي غيرت ملامح الحب والصدق الذي عاش عليه المسلمون، وزرعت الفرقة عبر دسائس وتمويل الإرهاب، ودعم الميليشيات التي زعزعت دول المنطقة عبر ميليشياتها وأحزابها.

هذه الدول جعلت رسالتها فوضوية المنطقة وتفريق الأمة، وهذا ما قطعه على مآربهم نجاح المؤتمر بتوفيق الله ثم بقيادة الملك سلمان، وحضور إخوانه من كل دولة تنشد السلام.

فالذي يشاهد مكة المكرمة وحركة المعتمرين والزوار وسط أمن وأمان وخدمات جُلّى وفرتها الدولة، مما يجعل هؤلاء الزوار وضيوف المملكة يدركون أن هذا البلد -بإذن الله- آمن مستقر يمضي في طريق التنمية دون الالتفات إلى ما تقوم به ميليشيات الشر في اليمن والضاحية، ولهذا برهن نجاح المؤتمر على مضي سفينة الخير التي تقودها المملكة إلى تحقيق النجاحات على مختلف وجهات النماء لشعوب هذا الوطن الكبير، بدءاً من المملكة وإلى عمق الوطن العربي كمصر ودول الخليج والمخلصين من أبناء الأمتين العربية والإسلامية.

نبارك لقمة مكة نجاحها وبلوغها الهدف، إذ تميزت بحضور إسلامي كبير كتب الله لها النجاح بإخلاص النوايا وصدق المشاعر من كل مسلم طاف حول الكعبة وعاد بعمرة مقبولة، وسعْيٍ مشكور، وفق الله قيادتنا، وأنجح أعمالها لخير هذه الأمة.