إن كتب عليك الله ومررت بجانب أحد مناجم الذهب والمعادن التي لا تعطى رخصة تشغيلها إلا لشركات تعد على الأصابع، وأعجبت بالتجهيزات والمعدات والبيئة الخارجية لهذا المنجم، فاعلم أن هذه «الخلاخل» من الخارج و«البلاء» والإخلال بحياة حراس الأمن الصناعي «من الداخل». من الطبيعي أن تجد مشرفا للأمن الصناعي، يعمل بهذا المنجم منذ أربعة أعوام، ورغم أنه يحرس أبواب شركة دخلها الشهري من هذا المنجم ومن التسهيلات المقدمة لها من الدولة عشرات ملايين الريالات شهريا، إلا أنك تجده رثّ المنظر والمظهر، وكأنه من رجال الكهوف فلا تنقض جراحه وتسأله (ما بك؟) لأن حياته العملية كالتالي: هذا الحارس وقع عقد عمل بمسمى وظيفي (حارس أمن صناعي) ويعامل معاملة حارس الأمن العادي، لذا تجد أن مرتبه لا يتجاوز الـ4 آلاف ريال دون أي زيادة سنوية، وفي حال تم تكليفه بالإشراف على الميدان كاملا بما يحتويه من هوائل المخاطر، فسيصل راتبه إلى 4500 ريال، طوال فترة عمله بالشركة المشغلة لهذا المنجم. يغادر هذا الحارس بيته كل أسبوع مرتين، ويودع أطفاله وأهله ليخوض معركة الـ(زام) الأسبوعي الذي قد يكلفه حياته إما بالغازات السامة المتعددة المستخدمة في عمليات الحفر والتنقيب والتي لا يعرف عنها أي معلومات، ولم يأخذ أي دورات لحماية حياته وحياة زملائه منها، رغم أن بعضها يقتل خلال دقائق وبلا رائحة، وإما بالاعتداءات الخطيرة من اللصوص المسلحين الذين يعلمون بأن داخل هذه الأسوار ملايين الريالات، ولم يتم تجهيز هذا الحارس بأي أداة لحماية حياته كواقيات الرصاص وغيرها على الأقل، وإن لم يفقد حياته بالسببين السابقين، فأسباب الوفاة لحراس الأمن الصناعيين العاملين بالمناجم لا تعد ولا تحصى. ويبقى في هذا العمل ما بين ثلاثة إلى أربعة أيام بدوام 12 ساعة متواصلة، ولأن هذا المكان بطبيعته نائي عن أقرب مدينة، فيذهب بعدها للأكل في مطعم المنجم الذي يقال لهم إن الشركة تخسر عليه أكثر من 300 ألف ريال شهريا، ومع ذلك فلن تجد فيه أحدا من حراس الأمن ليأكل وجبة واحدة، إلا إن كان من باب قوله تعالى (فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَیۡرَ بَاغ وَلَا عَاد فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِۚ)، وبعد أن (دبر حاله) لجلب أكله من أي مكان آخر، فعليه أن يذهب للنوم في السكن الموفر لهم مجانا داخل المنجم، ولكن عليه أن يتشارك الغرفة مع القردة والزواحف المختلفة، وإن كان من الأشخاص الذين تجعلهم الخصوصية لا يحبون أن يشاركهم في السكن إلا البشر، فعليه أن يدبر حاله كما فعل مع الأكل. فإن كان هذا حال من يحرسون مناجمنا ذات العائدات العالمية، ويشاركون في دفع عجلة التنمية الاقتصادية غير النفطية، وجزء من عملهم هو فتح البوابات لدخول الموظفين غير السعوديين، الذين يتقاضى البعض منهم راتبا شهريا، يتجاوز دخل جميع حراس الأمن الصناعي السعوديين بهذا المنجم في عام كامل، وإن سألهم أحد من مسؤولي الشركة عن طبيعة عملهم فسيكون لسان حالهم يقول: (أحرسك وأحتاج من يحرسني منك). نظرة للسماء: عزيزي المسؤول، إن كنت ترى بأن بعض الوظائف والمهن لا فائدة منها إلى هذا الحد، فحاول الاستغناء عنها أسبوعا واحدا، وإن استشعرت أهميتها أخيرا، فيجب عليك أن تعامل أصحابها على أنهم لا يقلِّون شأنا عنك.