بداية فـ(كيرلا) هي الولاية الجنوبية من ولايات الهند، وسميت بـ(خير الله)، وتحولت مع الأيام إلى كيرلا تناسقا مع نطقها بلغتهم المحلية (ماليالم) أو (ملأ العالم)، ويقال إن سبب تسمية لغتهم بهذا الاسم يعود إلى أن المتكلمين بهذه اللغة قد ملوا العالم، بوصولهم إلى شتى أصقاع الأرض، وكأن أصلهم ومن ظهر من أصلابهم قد (ملأ العالم) فعليا.

أما دبلن فهي عاصمة أيرلندا، والتي تقع في الشمال الغربي من القارة الأوروبية، وهي نسخة مصغرة من بعض العواصم الأوروبية الأخرى ولا نطيل.

ولا دخل لنا بالجغرافيا، فنحن دقيقون جدا وما يهمنا هنا هو مزامير السيارات أو الـ(الهرن - البوري) أو ما شئت فسمه، وهو أنه وبمجرد وصولك إلى أرض أي من مطارات هذه الولاية (كيرلا)، فعليك أن تعتاد على صوت هذه المزامير، التي وصفتها إحدى السائحات اللبنانيات في برنامجها اليوتيوبي بأنها توقفت عن إكمال التصوير لأنه (بين الزمور والزمور زمور).

أما لو وصلت إلى مدينة كـ(دبلن) أو غيرها من العواصم الأوروبية فستجد أن صوت هذه المزامير انخفض بشكل لافت، حتى أن أحد إخواننا السودانيين، يقول إن أكثر ما جعله يرتاح في مدينة (لندن)، لمدة طويلة، أنه لم (يكورك) له أحدا سوى مرتين طوال مدة عام ونصف العام التي قضاها هناك.

لكن عزيزي القارئ، من باب الصداقة بيننا، وقد لا تكون نظريتي هذه صحيحة، إلا أن مما لاحظته أن هناك علاقة طردية، بين كثرة مزامير السيارات في المدن الكبرى، وبين طيبة أهلها، وحب الخير الذي تراه في عيونهم قبل أن تنبض به قلوبهم، وتساهلهم وتعاونهم فيما بينهم، وبينهم وبين زائري مكانهم.

ففي كيرلا مثلا، كان أحد أصحابنا يتحدث مع زوجته أم طفليه الاثنين اللذين لم يتجاوز عمريهما الـ5 أعوام، وبعد نهاية مكالمته التليفونية، قال إن ليلة البارحة على أسرته كانت عاصفة وممطرة، وتسببت في انهيارات طينية على بيته، وبعد أن رأى الفزع في أعيننا، قال لا تخافوا، لقد كان السكان موجودين (وسكت)، وهذا يعني أنهم قد اجتمعوا على عادتهم حينما يقترب الخطر، نساء وأطفال قبل الرجال، ليقوموا كما جرت بهم العادة، بتعبئة الأكياس بالطين، وسد مجاري السيول، وفتح منافذ للفيضانات بعيدا عن البيت المتضرر، وبعدها يتم استضافة الأسرة المتضررة حتى يتم إصلاح المتبقي في الصباح التالي.

أما في مدينة يقل فيها صوت مزامير المركبات، فقد تلاحظ علاقتها الطردية مع قلة المروءة في بعض شبابها وفتياتها الذين لا يعلمون عن أمهاتهم إلا في في يوم العائلة الذي يسبق احتفالية رأس السنة بكم يوم.

خلاصة القول: هو أن من نراه يقوم ببعض التصرفات التي نراها مزعجة من وجهات نظرنا فقط، قد لا تكون كذلك في الحقيقة، قد يكون في قلبه من المروءة والوقفة الصادقة وحب الخير، ما يشبه سكان كيرلا، أما بعض المحافظين على هدوء الإزعاج من حولهم والمتحفظين مثلا على أن تقطع (أمه) هدوء أطفاله على برامجهم التعليمية، قد تجد في قلبه هدوءا يشبه هدوء بعض شباب العواصم الأوروبية، وقد نسي هذا المتحفظ أن أمه هي من جعلت لحم أكتافه قادرا على جلب الأطفال لحياته قبل أن يجلب لهم برامج تعليمية.

نظرة للسماء: الهدوء ليس هدوء الصوت فقط، وإلا لكان الأصم يعيش في نعمة هدوء يحسد عليها.