لقد فاجأت نتائج انتخابات بلدية إسطنبول المعادة كثيرين، لكنها لا تعني بالضرورة أن الديمقراطية في تركيا تبلي بلاء حسنا. فهناك كثير من الأدلة على عكس ذلك، مثل المحاكمات المستمرة المتعلقة باحتجاجات «متنزه غيزي» واحتجاز عثمان كافالا وآخرين. إنّ الديمقراطية لا تتطلب أطرافا ديمقراطية فاعلة فحسب، بل أيضا حكومة لا تشوّه سمعة هذه الأطراف ولا تقاضيها. وهذا أمرٌ بعيد المنال في الوقت الحالي.

ومع ذلك، يبقى فوز إمام أوغلو إنجازا ضروريا ومستحقا كان يجري التحضير له منذ فترة طويلة. فقد بدأ الأمر مع احتجاجات «متنزه غيزي» في 2013، حين تكاتفت مجموعة متباينة من المواطنين غير الفعالين سابقا لمقاومة ما اعتبروه سيطرة زاحفة للدولة على حياتهم. وأعقب ذلك «المسيرة من أجل العدالة» التي نظّمها «حزب الشعب الجمهوري» عام 2017، والحملة الرئاسية التي قام بها محرم إنجة عام 2018. وتضافرت هذه الأحداث لتولّد الزخم نحو انتصار ملموس في 23 يونيو.

ويستحق إمام أوغلو التقدير لأنه لم يتبنَّ خطاب المواجهة والانقسام الذي يصدر في الغالب عن إنجة، والذي اعتبره الناس سابقا ضروريا لهزيمة إردوغان.

فكلام إمام أوغلو يتسم بالهدوء والشمولية، ومناهض عموما لسياسة الكراهية والاستقطاب التي ميزت الخطاب السياسي في تركيا، خلال السنوات القليلة الماضية. كما أن كثيرا من نجاحه ناشئ عن قدرته على إيصال رسالته دون الاستسلام للجدالات.

إضافة إلى ذلك، كان الدور الكردي فاعلا في الانتخابات، إذ كان إمام أوغلو على استعداد للتواصل مع «حزب ديمقراطية الشعوب»، بينما كان الحزب مستعدا لدعمه. ويستحق دميرطاش الفضل في الوقوف بوجه أوجلان، فأهمية النتائج تتعدى نطاق الانتخابات، خاصة فيما يتعلق بتحسين العلاقات بين أطراف المعارضة.

كما أوضحت النتيجة أنه لا يمكن كسب أصوات الناخبين الأكراد بسهولة عن طريق وعود فارغة. وقد سبق لـ«حزب العدالة والتنمية» الذي يرأسه إردوغان أن قدّم ضمانات للأكراد ثم تراجع عنها لاحقا. وبالتالي، عندما أطلق «حزب العدالة والتنمية» إشاعات حول الإفراج عن أوجلان في الأسابيع الأخيرة، ونشر رسالته على أمل التأثير على أصوات الناخبين الأكراد، فإنه بذلك قلل من فطنتهم السياسية إلى حدٍّ كبير.

* أستاذة مساعدة في العلاقات الدولية والدراسات الأوروبية بجامعة جونز هوبكنز

* معهد واشنطن