بغض النظر عن مسارات الأزمة الراهنة في منطقة الخليج العربي بين النظام الإيراني والولايات المتحدة الأميركية، فإن هناك من الشواهد ما يكفي للقول إن المنطقة تقف على أبواب فترة صعبة سواءً اندلعت حرب ـ لا يتمناها أحد - أو حتى جلسات جميع الأطراف على مائدة التفاوض من جديد.

المؤكد أن الحرب قد تبدو بعيدة بحسابات التخطيط الإستراتيجي التقليدي سواء لعدم وجود استعدادات عسكرية أميركية كافية لاتخاذ قرار الحرب أو لحسابات شخصية خاصة بالرئيس ترامب ذاته ورغبته المكشوفة للغاية في تفادي سيناريو الحرب، وما يرتبط بذلك من فقدان تأثير حديثه عن الردع وتخويف النظام الإيراني الذي بات يُدرك تماماً أن البيت الأبيض لا يريد توقيع قرار حرب قبل انتخابات الرئاسة المقبلة، ولكن المتغير الخطير في المسألة نابع من عاملين أساسيين قد يتسببان باندلاع شرارة الحرب على غير رغبة الرئيس ترمب، أولهما: غلبة سوء الإدراك المتبادل بين الجانبين، فقد يتسبب ميل النظام الإيراني وقواته إلى المغامرات الطائشة بإجبار الولايات المتحدة على خوض الحرب، ولا يجب أن نتخذ حادث إسقاط الطائرة من دون طيار مؤخراً دليلاً على إمكانية تكرار رد الفعل الأميركي ذاته، فالإدارة الأميركية ستكون مجبرة على إصدار أوامر القتال في حال وقوع ضحايا من الجنود الأميركيين جراء أي سلوك عسكري إيراني. والعامل الثاني: يتمثل في إصرار نظم الملالي على إنهاء ما يصفه بالحرب الاقتصادية قبل انتخابات الرئاسة الأميركية، حيث يدرك هذا النظام أن احتمالات إعادة انتخاب الرئيس ترمب لولاية رئاسية ثانية سيجعل النظام الإيراني فريسة في قبضة رئيس خال من الضغوط والحسابات الانتخابية، وأكثر تحرراً في اتخاذ قرار الحرب، وبالتالي فالفترة الراهنة هي المدى الزمني الأنسب للملالي ليمارسوا أقصى الضغوط على الرئيس ترمب لدفعه إلى رفع العقوبات التي فرضها على إيران والعودة إلى الاتفاق النووي أو الجلوس للتفاوض مجدداً.

قناعتي الشخصية أن الرئيس ترمب نجح في تليين موقف نظام الملالي الذي كان يرفض تماماً العودة مجدداً للتفاوض، والآن يصدر إشارات واضحة على إمكانية الجلوس للتفاوض في حال رفع العقوبات، والخلاف يبقى على مسألتين أساسيتين هما: الأولى: العقوبات الأميركية وهل تجمد خلال فترة المفاوضات بحسب بعض المقترحات الأوروبية أم يتم رفعها كما يطالب الملالي، والثانية: هي البرنامج الصاروخي الإيراني الذي يبدي الملالي تشدداً بشأنه من دون أي حديث عن الملفات الأخرى مثل الدور الإقليمي التوسعي الذي تلعبه إيران، وبالتالي فإن هذا الشرط الإيراني الوحيد أيضاً يُمكن أن يكون خاضعاً للنقاش في حال لمح الملالي جدية من البيت الأبيض لرفع العقوبات!.

بالعودة إلى فكرة المقال الأساسية حول اتجاهات الأزمة، نجد أن الحرب واردة ولو كنتيجة لسوء إدراك متبادل أو من أحد الطرفين، أو لظروف يفرضها طرف على آخر، أما السيناريو الآخر وهو سيناريو المفاوضات، فهو ينطوي على تساؤلات معقدة لدول مجلس التعاون، حيث لا يجب أن تبقى هذه الدول بعيدة عن أي مفاوضات محتملة على أي مدى زمني مقبل بين نظام الملالي والقوى الدولية التي وقعت اتفاق «5+1» مع طهران، فعزل الدول الإقليمية عن المفاوضات يعني إبقاء عوامل التوتر الحقيقية قائمة على أرض الواقع، ويعني منح النظام الإيراني ضوءا أخضر لاستئناف مشروعه التوسعي الذي تصدت له دول التحالف العربي في اليمن.

لذا فإن من المنطقي بل الضروري أن يكون مجلس التعاون كتكتل جيوإستراتيجي طرفا وشريكا أساسيا في أي مفاوضات مقبلة مع نظام الملالي؛ لأن استبعاد الشركاء الخليجيين في أي مفاوضات مقبلة يبدو مثل استبعاد دور كوريا الجنوبية أو الصين في أي نقاش أميركي حول التعاطي مع كوريا الشمالية، فشركاء الجوار الإقليمي طرف لا غنى عنه لضمان نزع أسباب التوتر والخلاف كافة وبناء توافقات وتفاهمات إستراتيجية قابلة للحياة.

في ضوء ما سبق، فإن السؤال البديهي، من المسؤول عن إشراك مجلس التعاون في أي حوار مستقبلي مع نظام الملالي؟ الإجابة من دون شك هي مهمة بل مسؤولية الأطراف الدولية التي ستجلس على مائدة التفاوض سواء كانت القوى الدولية الخمس التي وقعت الاتفاق النووي عام 2015 أم ستصاغ معادلة تفاوضية جديدة، فأي طرف شريك في أي مفاوضات محتملة تقع عليه مسؤولية ضمان نجاحها أولاً، وتنفيذ وديمومة ما يتم الاتفاق عليه ثانياً. لكن ذلك لا يعني بطبيعة الحال أن تبقى دول مجلس التعاون تترقب الوضع وتنتظر دعوتها للجلوس، بل عليها أن تبادر لطرح هذا الأمر والمطالبة جدياً بأن يكون لها ممثل أو ممثلون حسب الصيغة التي يتم التوافق عليها خليجياً في أي مفاوضات مقبلة حول الأزمة الإيرانية.