حين نعت أسرتا الشبيلي وأبا الخيل في مناطق المملكة فقيدها الدكتور عبدالرحمن الصالح العبدالله الشبيلي، الذي لبى نداء ربه أمس، لم تكونا وحدهما، فهناك التاريخ الصحفي الإعلامي للسعودية، ينعيه، ويفتح كل شرفاته عصر اليوم الأربعاء، محدقا نحو مقبرة الشمال بالعاصمة الرياض، مودعا، أحد أبرز صناع الإعلام في التاريخ السعودي. الشبيلي المولود عام 1944 بعنيزة، نال بكالوريوس الآداب من جامعة الإمام 1963، قبل أن يحوز ماجستير في الإعلام من جامعة كانساس 1968، ثم دكتوراه في الإعلام من جامعة ولاية أوهايو 1971، بينما كان قد بدأ حياته العملية في إذاعة جدة، ثم إذاعة الرياض عام 1383، لينخرط في حياة زاخرة عامرة بالعطاء، ولا شيء غير العطاء «مدير عام التلفاز 1391، عضو مجلس الشورى لمدة 15 عاما، عضو المجلس الأعلى للإعلام، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة الصحفية»، وبين كل هذا العطاء الوظيفي المهني، لم ينشغل عن العطاء العلمي والإنتاج المعرفي، فوهب المكتبة الوطنية، وهو أستاذ للإعلام بجامعة الملك سعود «نحو إعلام أفضل 1412/ 1992، دراسة عن ظاهرة استخدام الفيديو في المملكة، تاريخ الإعلام السعودي»، وعدد من البحوث والدراسات التي لا يمكن لأي باحث في تاريخ الإعلام السعودي أن يستغني عنها أو يتجاهلها.

نظير كل هذا الألق والجهد والعطاء على مدى أكثر من نصف قرن في حقل يضج بالشوك والورد والذود عن حياض الوطن إعلاميا، كان من الطبيعي أن يحظى الشبيلي -رحمه الله- بالتقدير والتكريم، فحاز وساما من الرئيس المصري أنور السادات، ووساما من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة.

بعد تقاعده، بدأ عام 1992، يخوض غمار التوثيق والتأليف، صار يسابق الزمن وكأنه في عجلة من أمره، يشعر أن للوقت قيمة إنسانية، وأن في عهدته واجبا لا بد أن ينجزه، متأسفا على ما فات من سنين قبل اكتشاف ضالته، وجد أن الانشغال بالتوثيق هو أمتع ما ينتقل به المرء من صخب الوظيفة إلى حياة ذهنية هادئة منتجة، واكتشف في عالم البحث عالما شيقا من ناحية، وسياحية تسد فراغا في المشهد الثقافي.

في «مشيناها... حكايات ذات» روى الدكتور الشبيلي، بقلمه سيرته، متجليا بتواضع الكبار وهو يقول: لم ينجذب صاحبنا لفكرة كتابة ترجمة ذاتية، وظل يقف موقف المتحفظ أمام دعوات الحديث عن ذكرياته فضلا عن تدوينها، لعدم اقتناعه بالمبدأ من ناحية، وليقينه بأن بضاعته في هذه الحياة متواضعة ليس في استحضارها قيمة تؤهل للرواية، وهي لا تقارن بتجارب كبار، ولا تتماهى مع تجارب مبدعين، ونهج باستمرار على كتمان مواقفها الحساسة وعدم البوح بها، كانت ترده مع كل مؤلف يصدره دعوات محبين بأن الأوان قد حان لمثلها، وصار البعض يقول: اكتبها واتركها للزمن، كناية عن أن المعنى بها صار يسبح في خريف العمر، وقد لا يكون له من الذاكرة ما يعين، وأنه «يقف على عتبة دنياه ليستقبل أجل الله»، إن ما قدمه من إسهام ثقافي لا يكفي مسوغا لها.