هناك ما يعرف بتجربة سجن ستانفورد، وهي دراسة مولتها البحرية الأميركية، نفذت في أغسطس 1971، وتعنى بمراقبة سلوكيات الإنسان الطبيعي حين يعطى سلطة على أي شخص آخر، وبالمقابل مراقبة سلوك الشخص الآخر الذي سلبت منه إرادته لتعطى لغيره وهو شخص طبيعي كذلك، و(ركز على كلمة طبيعي) أي أنه لم يرتكب أي جرم مسبق، فماذا يحدث حينها.

تقوم التجربة على مراقبة متطوعين كلهم من خريجي الجامعات والذين يعتبرون نخبة ومثالاً يحتذى به آنذاك، وتم اعتقال نصف المتطوعين البقية مع بداية الدراسة بنفس الطريقة التي يعتقل بها اللصوص، وتم قراءة حقوقهم عليهم، وسحبهم من قبل الشرطة، وتسليمهم إلى حراس السجن الوهمي، الذي يحرسه النصف المتبقي من المتطوعين.

أعطي (الحراس) صلاحيات مشابهة للصلاحيات التي تعطى لحراس السجون حول العالم تقريبا، ورغم أنهم كانوا قبل ساعات شباباً وشابات جامعيات (وش حليلهم) و(يعلمون بلد بحاله)، إلا أن السلطة للشخص غير المؤهل لها، تجعل منه وحشاً مفترساً. بعد مضي يوم واحد فقط، بدأت مشاكل (غريزة البقاء الواهمة بالموت رغم أن الدنيا لا زالت بخير) في مواجهة (غريزة السلطة التي تعتقد أن سلطتها الواهمة زائلة عما قريب فتستخدمها بأكبر قدر لمصالحها وملذاتها الشخصية)، وتحولت هذه التجربة إلى ما يشبه ما حدث لاحقاً في سجن أبو غريب، فقد فرض الحراس العري والتحرش الجنسي والإذلال على المسجونين، الذين كانوا زملاءهم وزميلاتهم قبل كم يوم في الجامعة، وبعد أن كانوا يتقاسمون (الفسحة من ساندويتشات البرجر) أصبحوا يتقاسمون الويل والعويل.

الأدهى والأمر أن المسجونين ظهرت عليهم خلال هذه الفترة القصيرة التي لا تتعدى أياماً قلائل، عوارض الأمراض النفسية والعاطفية، حتى أنه تم استبدال إثنين منهم في أوائل أيام التجربة لما حدث لهم من اختلالات، جعلتهم يعرفون أن (الله خلقنا متوازنين ما دمنا لم نسلم أنفسنا لغير المؤهل بالتعامل معها).

وأصبح المسجونون يتهمون مشرفي الدراسة بأنهم وضعوا أصحاب البنية الجسدية الأقوى كحراس على السجن، ووضعوهم كضعاف البنية (مسجونين)، رغم أنه في الواقع تم تصنيفهم كحراس وسجناء بناء على قرعة أمام ممولي ومسؤولي الدراسة، (ولكن قد يقتلك وهمك بسلطة عدوك وعدوك أضعف منك في الأصل).

الدراسة ونتائجها وتفاصيلها والأفلام التي مثلت عليها فيما بعد ستجدونها في درج (العم جوجل)، لذا لن أطيل فيها.

ولكن أليس هناك نسخ مصغرة من اختبار سجن ستانفورد في مجتمعاتنا؟ أليس هناك موظف بعد أن جعلته الواسطة (مدير دائرة الجرد والعد والفرز وتحديد نوعيات مكانس عمال النظافة)، يستخدم المنصب لقهر رجل أتى من خلف بحار وأنهار، ليرمى للعطش والجوع والتسول في درجات حرارة قاهرة، ما جعل هذا الرجل الذي تم استغلال السلطة ضده، والذي قد يكون يحمل شهادة في القانون، يصمت عن حقه، اعتقاداً بـ (قوة عدوه)، وأنه (قاطع الأرزاق والأعناق لو لم تنصع لملذاته ورغباته).

إبدأ بنفسك، بهذا المثل أعلاه صعودا ونزولا، وكرر السؤال بعد كل قرار لك، كم سلطة سلمت لك وكيف استخدمتها؟ حتى وإن كانت على زوجتك وأبنائك، وهل تعتقد أن وصايتك عليهم، لك أم عليك؟. يوم تقر بضعفك وعجزك، وحينها قد نتمنى أننا لو قرأنا عنوان المقال بالمقلوب.

نظرة للسماء: (ديننا يفرض علينا أن ننظر لما بعد السلطة، لما بعد القوة) مقولة مستقطعة للملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه- الله في إحدى الندوات المنقولة تلفزيونيا.