حدثني صاحبي بصوت حزين عن مرافقته الدائمة للذكريات، وتساءل عن كيفية الخلاص منها، كونه لا يستطيع أن يكرر ذكرياته ولو بأصغر تفاصيلها، لأن من كان يشاركه حينها، قد رحل عن هذه الحياة.

صاحبي ليس وحيداً في أزمته، فالجميع منّا تتملكه الذكريات دوما، لأنها تفرض علينا كُرهاً بقاءها في دواخلنا والعودة لها، وهي أشبه بالقيود التي لا تحل، ولا فكاك منها أبداً.

إن استطعنا نسيانها -وهذا مستحيل- ستأتي لنا بصور غير مباشرة، كالأماكن والأشخاص وحتى رائحة العطر! لذلك هي هويتنا المخفية والجزء الماضي من حقيقتنا التي لا فراق بيننا وبينها.

من أصعب ما يجعل الذكرى مؤلمة حزينة، هي مواقف الأشخاص الراحلين عن هذه الحياة، وكانوا سعادة لنا في لحظتها، هنا الذكرى تكسونا بالحزن.

إن الذكريات تبدأ بنا من أولى سنين حياتنا، بتراكم أحداث الطفولة، حينها لسنا مسؤولين عن طبيعتها، إما أن تكون سعيدة أو تعيسة، ومن ثم تبدأ مراحل جديدة تتكون بعقلانية تامة، تشكل بها ذكرياتك وتكونها حسبما تريد أن تجعل ماضيك أن يصبح.

لنتعلم أن نعيش واقعنا، وأن نتذكر أن الأمس كان اليوم فأصبح ذكرى واليوم سيصبح أمس، فلنجعل ذكرياتنا جميلة، فهي ما يصنع شخصياتنا، ويجعلنا مطمئنين لمستقبلنا، بالذكرى الجميلة لنا ولمن يشاركنا اللحظة.

لعلنا نقول، إن الذكريات قد تكون هي مرجعنا لكل الأخطاء التي وقعنا فيها في الماضي لتفاديها مستقبلا، لأنها تجاربنا ومواقفنا ودواخلنا التي لا تفارقنا، والتي تجعلنا نزداد وعيا وإدراكا وفهما.