كان النطق والكلام هما اللذان أوصلا الإنسان إلى الإدراك والوعي الكامل في محيطه وما حوله، وكانا من الأسباب التي جعلت الإنسان يرث الأرض ويستعبد جميع المخلوقات عليها، مع أنه ليس أقوى المخلوقات ولا أكبرها.

ومنذ ذلك الحين مر على الإنسان زمن ليس بالقصير قد يقدر بقرون طويلة والله أعلم، لكنه بعد ذلك وصل إلى أنه اكتشف الزراعة وكان هذا الاكتشاف عبارة عن قفزة حضارية كبيرة، لأنه أسس الحضارات الإنسانية التي حولت المجموعات البشرية المتفرقة، إلى مجتمعات متحضرة، قدمت اكتشافات عظيمة في مجالات المعرفة والثقافة والفن. وقد كانت أولى الحضارات «حسبما هو مكتشف حتى الآن» هي حضارات بلاد ما بين النهرين، يليها تعاقبت الحضارات في مصر والهلال الخصيب وبلاد فارس وآسيا الصغرى، كالحضارة الفينيقية، وحضارات حوض النيل، والحضارة الإغريقية والفارسية وحضارة بلاد السند والهند والحضارة الصينية.

نلاحظ من ذلك أن جميع الحضارات القديمة التي اكتشفت كان موقعها الجغرافي يقع حول شبه الجزيرة العربية، وكما وضحت دراسات بالأنثروبولوجيا بأن الإنسان البدائي قبل أن يكتشف الزراعة كان يعيش في قارة إفريقيا...! لذا فإنه ليس من المنطقي أن تقفز البشرية في سلم التطور الحضاري من مجموعات بشرية بدائية تعيش على قطف الثمار، إلى مجتمع حضاري يقدم علوما ونقوشا وتدوينا وفنونا مثل فن النحت الذي نراه في الآثار السومرية...! ولأجل ذلك أعتقد أن هنالك حلقة مفقودة وهي عبارة عن حضارات نشأت قبل الحضارة السومرية والحضارات المصرية القديمة، وأرجح أن هذه الحلقة موجودة في أرض شبه الجزيرة العربية...!

ومن الأسباب التي تدفعني لذلك الترجيح منها ما هو جغرافي، لأن مضيق باب المندب هو المخرج الوحيد والصالح من القارة الإفريقية، أي أن الإنسان البدائي خرج من إفريقيا إلى أرض الجزيرة العربية، ومن هذه الأسباب هو أن ربع مساحة الجزيرة العربية هي منطقة خالية، وباقي المساحة لم يتم فيها التنقيب والبحث والحفريات المكثفة.

لقد تم اكتشاف قرية الفاو التاريخية عاصمة مملكة كندة، والتي تقع جنوب وادي الدواسر على حدود الربع الخالي، عن طريق الصدفة من قبل موظفي تنقيب آبار النفط في أرامكو! وقد كان اكتشافا أثريا كبيرا وهو بالصدفة، فكيف لو كانت هنالك دراسات وبحوث وحفريات؟!

أتمنى من الجهات المعنية أن تركز وتخصص مشروعا في هذا الشأن وتفتح فيه الأبواب بالتعاون مع القطاع الخاص والشباب السعودي المتخصص، لتتضافر الجهود والتي أتوقع أن تصل فيها النتائج إلى اكتشافات عظيمة تعيد كتابة تاريخ البشرية من جديد.