الرجوع عن الخطأ إلى الصواب فضيلة، ومن ترك طريق الصحوة وامتداداتها الإخوانية الحركية وتلوُّناتها الحزبية المتعددة والتزم بالهدي النبوي فكان سلفياً على الجادة، مستمسكاً بما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته ومن تبعهم بإحسان، وتبرأ مما كان عليه من ضلال، فإنه يُشكر، ولا يُعاب عليه.

قال تعالى: «إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا»، فالتوبة تجُبّ ما قبلها، والله يحب التوابين، والمؤمن يحب ما يحبه الله ورسوله.

وأما ما يُشغِب به رجيع الصحوة من صخبٍ وضجيج، فليس رجوعاً إلى الحق، ولا قيمة لصخبهم وضجيجهم، لأنهم مكشوفون، وما زالوا في ريبهم يترددون، تتجارَى بهم الأهواء، ويتلونون حسب مآربهم، ويركبون الموجة، فلا مصداقية لهم، لأنهم انتهازيون بامتياز، والناس يعرفون انتهازيتهم هذه بناء على ما يظهر من تلوُّنهم، وقبل ذلك فإن الله لا تخفى عليه خافية.

ولو كانوا صادقين لسحبوا كتبهم التي تؤيّد سيد قطب ومن معه من غلاة التكفير، ولاعتذروا عن ذلك، ولتبرؤوا من مقالاتهم الفاسدة في الثناء على دعاة الضلالة، وكُتب الإخوان، ولَلزِموا المنهج النبوي في التعامل مع النصوص الشرعية، ومع الراعي والرعية.

أما أن يضعوا قدماً هنا، وقدماً هناك، فهذا مسلكٌ سيئ بيّن الله لنا صفة أصحابه، فقال تعالى: «يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ».

والمتخصص والراصد للحركات والتيارات الفكرية، يعلم أن من مقررات الصحوة التلون حسب التوجه، ولا بأس عندهم أن يسبّ الحركي أصحابه السابقين ومنهجهم، ليوهم غيره أنه ضدهم، وهو في الحقيقة معهم وفي صالحهم، ولكن ذلك من باب التكتيك الحزبي، وفي هذا يقول الإخواني صاحب كتاب الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي «مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض هذه الأعمال الجهادية، ويظهر النكير عليها آخرون.. بتنسيق مسبق، وتوزيعٍ مُتبادل للأدوار».

ولذلك، فإني أقول: إن «بعضا» من المنتقلين من الصحوة إلى اللبرلة أو العكس، هما وجهان لعملة واحدة، وإنما قلت «بعضا»، لأن العدل يقتضي عدم التعميم، وكنت قبل خمسة عشر عاما رددت على أحدهم ممن يزعم أنه ليبرالي وضد الصحوة، رددتُ على جنايته في اتهام مناهج المملكة بالإرهاب، وقد كان نشر تلك الجنايات في إحدى مذكراته، ورفعها إلى بعض المنظمات المعادية للمملكة، ثم بعد فترة رأيته تحوّل إخوانياً يزعم الغَيرَة على الدين، وأن مناهج المملكة توافق الغرب، ويكتب الكتابات ضد اللبرلة، وهكذا أصحابه من الليبراليين على العكس يكتبون الكتابات ضد الأخونة، وكلهم هدفهم واحد.

وهذا التلون موجود عند كثير من أصحاب الحركات والتيارات، كما هو معلوم لكل راصد ومتابع، ولكوني أناقش الأفكار والتوجهات والمناهج، وليس الأشخاص، فإني لن أسمي أحدا.

إنني شخصيا أحترم من كان صاحب مبدأ وله وجه واحد، وإن كنت أخالفه، لأنه يُوشك أن يرجع إلى الحق إذا تبين له، ولكني أمقت المتلونين المخادعين، الذين يقولون الشيء ونقيضه.

ففي صحيح البخاري، أن أناساً قالوا لابن عمر، رضي الله عنهما: «إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم خلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم، فقال ابن عمر: كنا نعد ذلك نفاقا على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم».

إن الله تعالى امتنّ علينا بالعقيدة الصحيحة، والفطرة السليمة، فلا حاجة لنا بالصحوة ولا اللبرلة، ولا غيرهما من الفِرق والأحزاب والتيارات المُحدَثة. يكفينا ما رضيه الله لنا ديناً ومنهجاً، وجعله ولاة أمرنا -وفّقهم الله- أساسا تقوم عليه دولتنا، وهو الإسلام بسماحته وصفائه، البعيد عن الحزبيات والمآرب الدنيوية والحركية.