في حال كنت تقرأ هذه المقالة عبر الإنترنت. فإن جهازك موصول الآن بشبكة الإنترنت من خلال عنوان لبروتوكول الإنترنت، وهو عبارة عن مُعرّف فريد يستخدم لتوجيه حزم البيانات بين الأجهزة والمواقع الإلكترونية على الإنترنت، بطريقة تشبه إلى حد ما كيفية قيام الرموز البريدية بتوجيه الرسائل والطرود إلى باب بيتك.

يجري منذ سنوات استخدام الإصدار الرابع من بروتوكول عناوين الإنترنت المعروفة باسم IPv4، حيث يتم استخدام هذا الإصدار كبروتوكول أساسي لعناوين الإنترنت على نطاق واسع منذ نشرها في 1983. إلا أن المشكلة تكمن في النمو الهائل لمستخدمي الانترنت، وللأجهزة والمواقع والخدمات الإلكترونية المرتبطة به، إذ إن عناوين الإصدار الرابع من بروتوكول الإنترنت محدودة، بحيث لا يتوفر منها سوى 4.3 مليارات عنوان.

ولأن المشكلة متوقعة منذ زمن طويل، تم العمل على تطوير الإصدار السادس من بروتوكول عناوين الإنترنت (IPv6) لتحل محل الإصدار الرابع (IPv4)، حيث توفر النسخة السادسة 340 تريليون تريليون تريليون عنوان، ما يحل مشكلة نفاذ عناوين الإنترنت، ويفتح إمكانيات جديدة لإعدادات الشبكة والكفاءة والابتكار، كما يعني أن مقدمي خدمات الاتصالات والإنترنت سيستغنون عن اللجوء إلى السوق السوداء، للبحث عن عناوين الإصدار الرابع من بروتوكول الإنترنت والتي تتزايد أسعارها باطراد.

لم تدرك العديد من الشركات التي تعتمد على الإنترنت في أعمالها، نتائج حجم النقص المتزايد في عناوين الإصدار الرابع من بروتوكول الإنترنت، والمشاكل الناجمة عنه. إلا أن هذا الواقع تغير اليوم. وإذا ما كان على الشركات أن تطرح السؤال التالي: هل هذا هو وقت مناسب للانتقال إلى الإصدار السادس من بروتوكول عناوين الإنترنت؟ فالجواب هو «نعم»!.

إذاً، لماذا يجب على الشركات الانتقال إلى الإصدار السادس؟ ولماذا لم ترتفع معدلات تبني وإحلال الإصدار على الرغم من التحذيرات العديدة لمنظمات مثل «سجلات الإنترنت الإقليمية» (Regional Internet Registries - RIRs) و«مجموعة مهندسي شبكة الإنترنت» (Internet Engineering Task Force - IETF)؟

يعود الإحجام عن نشر هذا البروتوكول جزئياً، إلى الفهم الخاطئ والمتمحور حول فكرة أنه لا يوجد طلب من قبل المستخدمين النهائيين، أو أنه يمكن الوصول إلى محتوى محدود من خلال الإصدار السادس، أو أن المعدات المستخدمة مثل أجهزة الموديم، ليست مهيأة للاتصال من خلال الإصدار السادس. ولكن ينبغي التقليل من هذه المخاوف نظراً لأنه يمكن الوصول إلى مزودي المحتوى الرئيسيين مثل «يوتيوب» و«فيسبوك» و«نتفليكس» من خلال الإصدار السادس، وحيث يمكن استبدال المعدات القديمة المستخدمة في تمكين العملاء بأخرى حديثة متوافقة مع الإصدار. وفي حين أن مهندسي الشبكة يمكن أن يكونوا على قدر المهمة على المستوى التقني، فإن المخاوف المرتبطة بالمردود المالي غالباً ما تكون حائلاً دون وضع الانتقال إلى الإصدار السادس، كأولوية لدى المسؤولين التنفيذيين وصناع القرار. وبالرغم من ذلك، فإن عدم التخطيط لنشر الإصدار يعد أمراً محفوفاً بالمخاطر في حد ذاته، على اعتبار أن الشركات التي تقوم بذلك ستعوق أي توسع مستقبلي لأعمالها.

من بين الأسباب الرئيسة وراء بطء التقدم على هذا الصعيد، هو أن الحلول التقنية الحالية (NATING)، تمكن المئات بل آلاف المستخدمين من استخدام بروتوكول إنترنت واحد في الوقت نفسه. ولكن يمكن لهذه الحلول إيقاف بعض خدمات الإنترنت عن طريق عدم السماح بالاتصال المباشر بين أجهزة الكمبيوتر المتصلة (خاصة خدمات الألعاب الإلكترونية)، هذا فضلاً عن أنه إذا تم حظر شخص يستخدم عنوان الإنترنت المشترك الخاص بك، فإن الأمر ينطبق عليك أيضاً. أما الإصدار السادس فيلغي الحاجة إلى مشاركة عناوين الإنترنت، حيث يمكنه فتح المجال أما تقنيات وخدمات مبتكرة يمكن أن تساعد الشركات على النمو، وهذا ما يسهل أيضاً على السلطات الخاصة بإنفاذ القانون، تحديد الجناة وراء الجرائم الإلكترونية.

على مستوى الشرق الأوسط، تتعاون منظمة «رايب إن سي سي» مع أعضائها، وهيئات تنظيم الاتصالات في المنطقة لتعزيز الوعي وبناء القدرات، بهدف تشجيع الشركات والحكومات على نشر الإصدار السادس. يتطلب نشر الإصدار تخطيطاً وتدريباً واختبارات دقيقة.

ولا يعني كل ذلك أن الإصدار الرابع من بروتوكول عناوين الإنترنت سيتلاشى، لكن ينبغي على الشركات والحكومات أن تبدأ في النظر إلى الإصدار السادس من هذا البروتوكول كبديل منطقي لتطوير الإنترنت وتنمية الاقتصاد.