مرّت على المجتمع السعودي أحداث واقعة مقتل الطالب معتز الحارثي -رحمه الله- على يد زميله في المدرسـة، بكل حُزنٍ وأسى.

وشاهدنا الموقف النبيل من والد الطالب مُعتز الحارثي، حينما تنازل عن قاتل ابنه ليضرب لنا مثلا في الشهامة والتسامح.

شدني الأمر لقراءة المزيد عن «التنمر» بين الطلاب، ويُقصد بالتنمر هنا «سلوك عدواني متكرر يقوم به طالب ما، بهدف الإضرار بطالبٍ آخر عمدا، جسديّا أو نفسيّا، كما يهدف إلى اكتساب الطالب السلطة على حساب طالب آخر».

فزرتُ وكيل المدرسة في مكتبه، ووجدتُ عنده كتاب «بأخلاقي أسمو»، والذي يحوي بين دفتيه قواعد السلوك والمواظبة لطلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية، ويُقصد بالسلوك «هو كل ما يصدر عن الطالب من أقوال وأفعال حركية أو لفظية صريحة أو رمزية، خلال تفاعله مع منـسوبي المدرسة وعناصر البيئة المدرسية وأنظمتها في المواقف المختلفة، ومدى تقبله التوجيهات والتعليمات المدرسية، وإنفاذها داخـل المدرسة وفي محيطها».

وخلال قراءاتي كتاب «بأخلاقي أسمو»، وجـدتُ أن مخالفة «التنمر» قد وُضِع في قواعد السلوك من مخالفات الدرجـة الرابعة، والتي يترتب عليها أن يُعاقب الطالب المُتنمر من قِبل وكيل المدرسة كما يلي بالترتـيب:

أولا: التنبيه الشفهي

ثانيا: إشعار ولي أمر الطالب

ثالثا: أخذ تعهد خطي على الطالب بعدم التـكرار

رابعا: استدعاء ولي أمر الطالب

خامسا: حسم عشر درجات من السلوك

سادسا: الإحالة إلى المرشد الطلابي

سابعا: نقل الطالب إلى فصل آخر

ثامنا: الإحالة إلى وحدة الخدمات الإرشادية خارج المدرسة

تاسعا: نقل الطالب إلى مدرسة أخرى

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يُعقل أن يُترك الطالب المتنمر ليمارس طبيعته العدوانية ضد الطلاب الآخرين في المدرسة، في ضوء إجراءات ضعيفة ومتساهلة، كما هو مكتوب في الأعلى، والتي لا تستطيع أن تردع الطالب المتنمر عند حـده منذ الوهلة الأولى، كي يعي جيدا أنه مخطئ وسيحاسب على خطئه؟!

فبناءً على الإجراءات المتبعة عند تنمر طالب على طالب آخر، فإن وكيل المدرسة يقوم بتنبيه الطالب المتنمر شفويا فقط!، وكأن لـسان حال وكيل المدرسة يقول للطالب الآخر المتنمر عليه: «اذهب إلى فصلك وإذا كررها معك مرة أخرى أبلغني.. انتهى!». وعند ممارسة الطـالب للتنمر للمرة الثانية، على الطـالب نفسه أو طالب آخر يقوم وكيل المدرسة بإبلاغ ولي أمر الطالب المتنمر!، ويتكرر لسان حال وكيل المدرسة في قوله للطالب الآخر المتـنمر عليه: «اذهب إلى فصلك وإذا كررها معك مرة أخرى أبلغني.. انتهى!». وهكذا.. إلى حـين تكرار مخالفة التنمر للمرة الخامسة يحسم وكيل المدرسة من الطالب المتنمر 10 درجات من السلوك!. وعند تكرار مخالفة التنمر للمرة السادسة يحول وكيل المدرسة الطالب المتنمر إلى المرشد الطلابي لدراسـة وضع الطـالب!.

إلى أن نصل للإجراء التاسع المُتبع مع الطالب المتنمر، ألا وهو نقل الطالب المتنمر إلى مدرسة أخرى!.

ومن وجهة نظري، كثرة الإجراءات المتبعة مع مخالفة التنمر أفقدت العقاب هيبته أمام الطالب المتنمر، والذي أصبح لا يخشى الأنظمة واللوائح، مما جعلنا نشاهد الطالب المتنمر يكرر فعلـته مرة تلو الأخرى بلا خوف، وقد قيـل: من أمِنَ العقـوبة أساء الأدب.

لذا، بما أن التنمر أصبح ظاهرة في مدارسنا، أقترح على وزارة التعليم أن تكون إجراءات مخالـفة «التنمر» مختلفة تماما عن مخالفات الدرجة الرابعة، وتكـون إجراءاته كما يلي:

أولا: استدعاء ولي أمر الطالب، مع نقل الطالب المتنمر من فصله إلى فصل آخر، وأخذ تعهد خطي بعدم التكرار.

ثانيا: حسم خمس عشرة درجة من سلوك الطالب المتنمر، ويُكلَّف بمهام في داخل المدرسة من تنظيف الفصول، وتشجير المبنى المدرسي، ونحوهما.

ثالثا: يتم نقل الطالب المتنمر إلى مدرسة أخرى تابعة لمكتب التعليم الذي توجد فيه مدرسـته الأولى، بحيث تتصف المـدرسة الأخرى بانضـباط الطلاب السلوكي، للتأثير في الطالب المتنمر بشكلٍ إيجابي، لأن الطالب يستمد العناصر الرئيسـية المكونة لشخصيته من الأشخاص المحيطين به، فبقدر ما يكون اختلاط الطالب المتنمر بطلاب أسوياء، يكون احتمال امتثاله للأنظمة والـلوائح المدرسية أكبر.

رابعا: إشعار مدير تعليم المنطقة بالقضية للتوجيه بما يراه مناسبا.

خامسا: حرمـان الطالب المتنمر من الدراسة أسبوعا، ويُكلَّف بمهام في الخدمة الاجتماعية خلال توقفه عن الدراسة.

سادسا: تحول القضية إلى الجهات الأمنية لإجراء ما يلزم من سجن أو عقاب آخر.

قوة الأنظمة واللوائح المدرسية كفيلة بضبط سلوكيات الطلاب، والتي ستنتقل من بيئة المدرسة إلى المجتمـع.