تمر مملكتنا الحبيبة بتغيرات كبيرة وغير مسبوقة. عم الفرح وانتشرت البهجة. وتعددت مواسم الخير والسعادة والسرور الغبطة. وصار الكل يعيش في أرجاء هذا الوطن.. فرحة لا سابق ولا مثيل لها. الكل يتسابق لشغل مقاعد في أول الصفوف وأقربها وأحسنها، ليكون له نصيب من الفرح والأنس والبهجة.

بعد عقود من الكبت والمنع والحرمان والتشدد. رغم ذلك لم يكن نصيبي من الحضور باسما وضاحكا، فلا تزال عُقدي، هي عقدي الكبيرة. لا يزال ما تعلمته في الصغر هو هواجسي في الكبر، هي مشاكلي وعقدي، هي موانعي من الحياة والتمتع بالحياة.

فمن تعلم في طفولته وسمع من أمه وأبيه في صغره.. وتلقن من الصحوة أن من يسمع الموسيقى والغناء يصب في أذنيه نار الحميم، نار «الإنك» الرصاص المذاب، وأن من يعيش حياته ويستمتع بمباهج الحياة، سوف يتعذب في قبره ويسلط عليه الثعابين والحيات والعقارب السامة والشجاع الأقرع وزبانيته.

لا يمكن لهذا الشخص أن يستمتع بالحياة وملذاتها ومباهجها، ويقتسم من أوقات الفرح أسعدها وأجملها. فسوف تلاحقه هذه الهواجس حتى وهو يحضر الحفلات الغنائية والمهرجانات الموسيقية.. وينتشي ويطرب ويعيش الحياة بطولها وعرضها. ستظل له الحياة سـجنا مظلما وكهفا معتمـا حتى وإن طـغى وتمرد وتكبر.. وسوف يعود يوما إلى ما كان في طفولته وصغره متدينا على كبر.

لقد حاولت أن أعيش هذه الأجواء لكن عقدي الصغيرة تأبى إلا حياة التنكيد والنكد والتنغيص، فلا يخطر في بالي إلا ذلك الخطاب الذي يخوف الناس من الفرح والبهجة والحياة، والخوف سبب كاف لمنع الإنسان من الحياة، لكن الخوف لن يمنعه من الموت.

نصيحتي أن أبعدوا وجنبوا صغاركم اضطراباتكم العصبية وغسيل المخ، وإلا فإن مستقبلهم وحياتهم في خطر، وستجعلهم كل حياتهم سجناء طفولتهم المهدرة والمعذبة، والحكمة والمقولة تقول «ليس صحيحا ما يشاع بأن أطفالكم ينسون بسهولة، فكثير من الناس يعيشون حـياتهم وهم رهائن لأفكار انطبعت في أعماقهم منذ سنوات طفولتهم المبكرة». وإن لحياتي أمثولة واضحة لمن وقع تحـت تأثير ذلك الخطاب السوداوي المدمر، وكيف فشلت في أن أسعد ذاتي، فلا زلت أشتاق وأحن لأيام النكد والضنك!! فشـكرا لكـل من أسعـدنا وأبهجنا وأنقذنا من براثن مقيتة ذهبت بأجمل أعمار أجيالنا. فلا شيء يعدل الفرح في هذه الحياة التي يندر ويقل فيها الفـرح فــ«التعاسة في هذه الحياة أكثر بكثير من السعادة. لذلك فإن عدم أبديـتها رحمة كبيرة»، فشكرا لكل من جعل الفرح أمرا ممكنا، فصناعة الفرح ليس بالإمكان صناعتها، وجعل كل من في هذا الوطن فرحا سعيدا!!

وأخيرا

«تقربوا من أولئك الذين يغنون، الذين يخبرون قصصا، الذين يستمتعون بالحياة، الذين تلمع عيونهم سعادة، فالسعادة معدية».