أقرّ مجلس الشورى الأسبوع الماضي بعض التعديلات التشريعية على نظام حماية الطفل، بعد تطبيقه أكثر من 5 سنوات، ليدل على اهتمام الدولة الملحوظ بتحقيق الحماية الشاملة للأطفال، بغض النظر عن جنسياتهم، إذ شملت التعديلات الأطفال السعوديين، وأبناء السعودية من غير السعودي، مما يحقق جانبا مهما من الحماية النفسية للأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة.

التعديلات المضافة، كمثل: منع استغلال الطفل في وسائل التواصل الاجتماعي، ومنع خضوعه للتعليم القسري «رغم أن هذه الجزئية غير واضحة، إذ إن المعاناة الحالية مرتبطة بعدم اهتمام بعض الآباء بتعليم أبنائهم، واستغلالهم في أمور أخرى تسيء إلى طفولتهم، دون عقاب واضح لهم!»، إلى جانب إدراج جزئية مهمة جدا كنا نناقشها منذ سنوات مضت باستحياء ولا نعترف بها مباشرة، وهي «إنشاء قاعدة بيانات لحظر انخراط أي شخص له سوابق تحرش جنسي أو اضطرابات نفسية، عن الاحتكاك بالأطفال في مهن ومواقع تسمح لهم بالتعامل مع الأطفال في المستقبل، وتحدد اللائحة المدة اللازمة لبقاء المُدان في قاعدة البيانات حسب درجة الجسامة ومدة العقوبة»، فهذه الجزئية الخطيرة بحاجة إلى تعاون الجهات المختصة، خاصة الأمنية، في تحديد إجراءاتها بأمانة عالية المستوى!.

لكن، للأسف الشديد، أغفل القائمون على تنفيذ نظام حماية الطفل وغيره من أنظمة الحماية، والمشرّعون القائمون -أيضا- على التعديلات لأي نظام حماية سواء يخص المرأة أو الطفل، أن الاهتمام الحقوقي في السنوات الـ10 الأخيرة ملموس، وفي تقدم مستمر يهدف إلى تحقيق الحياة الكريمة للجميع، ولكن يعدّ نظام حماية الطفل من أهمّ الأنظمة الحقوقية، لأنه تأسيس لحياة جيل!. لذلك، لا بد من معالجة النقاط التالية «وسأذكر بعض التي عايشتها وعانيت منها 13 عاما في مجال الحماية الاجتماعية»، منها: ملاحظة عجز الطفل عن الدفاع عن نفسه، فلا يملك الطفل حق اختيار أو إقرار مصيره، خوفا من ضعف حمايته، وما زالت المفاهيم الاجتماعية الخاطئة لدينا «تعد شأن الطفل ملكا خاصا للأب مهما كان سيئا»، وحق الأم في حماية ورعاية طفلها المتعرض للتحرش داخل أسرته ما زال ضعيفا، وتواجهها معاناة كبيرة لإثبات ذلك في حالة اختفاء الأدلة المادية «تباين إجراءات التدخل وتشخيص الأذى الواقع على الطفل من منطقة لأخرى».

وضعف إجراءات التدخل الطارئة لحماية الطفل وإقرار الأذى النفسي عليه، قبل أن يتطور إلى الأذى الجسدي الشديد، الذي قد ينتهي بالموت!.

وضعف التقارير الطبية والخوف من ذكر التفاصيل الحساسة عند تشخيص حالات التحرش أو اعتداء المحارم!، وعدم وجود محققين مختصين في قضايا الأطفال، وقد طالبت كثيرا بوجود أخصائيين نفسيين أو اجتماعيين خلال التحقيق، وتم بعد ذلك إقراره في لائحة النظام التنفيذية!، وعدم وجود قضاة مختصين في مجال قضايا الطفولة، مما أدى إلى قرارات مصيرية قد تسيء إلى الطفل وحياته المستقبلية «مازال القضاة بحاجة إلى فريق اجتماعي نفسي للعمل معهم في محاكم الأحوال الشخصية، يتولى دراسة قضايا النزاع على الأطفال»!، وهذا لا يعني أن النظام ولائحته التنفيذية لم يعالجا كثيرا من النقاط المهمة بما لا يعطي لأي مقصّر فرصة للمماطلة في أداء واجبه تجاه هؤلاء الأبرياء، أو التبرير عند التقصير الذي يكون سببا في ضياع حياة طفل بريء لا يمكن تدارك معالجته بسهولة!.

لذلك، أطالب بضرورة إقرار «ترخيص مزاولة المهنة لجميع من يعمل في مجال الحماية الأُسرية، خاصة في مجال حماية الطفل»، وفق معايير علمية وشخصية دقيقة، وإلا فإن ما سبق من جهود حقوقية لن تؤتي ثمارها المرجوة. فالقائمون على تطبيق النظام -بغض النظر عن شهاداتهم الجامعية- تبقى مهاراتهم الشخصية متباينة، وخبراتهم العلمية والعملية متفاوتة في مجال حماية الطفل، وبعضهم يحملون ثقافة تربوية قد تسيء إلى تطبيق النظام تطبيقاً عالي المهنية، وعدم الدقة في اختيارهم وتنقلاتهم بين وحدات الحماية بمناطق المملكة هو السبب الرئيسي في فشل الوصول إلى نتائج إيجابية لنظام قويّ لم يترك أي جانب حماية لحقوق الطفل إلا وذكرها بالتفصيل!، إذ إن الأنظمة الحقوقية بريئة من جوانب القصور هذه.

لذلك، أُشددّ -مرة أخرى- على أن نظام حماية الطفل والتعديلات الجديدة عليه، لن تؤتي ثمارها المرجوة إلا بإقرار «التراخيص المهنية» عالية المستوى لكل من يعمل في نطاقه، وإلا فإن جهودنا الحقوقية لن تتقدم كما نسعى ونرجو دائما.