مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسرعتها في نقل الأخبار، لم يعد مستغربا أن نسمع بين فترة وأخرى أخبارا غريبة على المجتمع الذي نعيش فيه، تجعلنا نتساءل، أين الخلل وما الأسباب في تلك الأحداث؟ والتي غالبا تتنافى مع طبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده، وتجعلنا أمام خيارين، إما تجاهل تلك الأخبار، وإما الاهتمام بها، والغوص فيها بحثا عن جذور المشكلة وأسبابها. ومن ضمن هذه الأخبار الغريبة هروب بعض الفتيات من أسرهن، سواء كان الهروب لداخل المملكة أو خارجها، وإلى عالم ومستقبل مجهول، مخلفين حسرة وندما بين عائلاتهن وأسرهن. ولعله ليس سرا أن نؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي لها الدور الأبرز والأهم في هذه الظاهرة، وهي المحرض الرئيسي لتلك الفتيات.

هذه التصرفات الغريبة دفعت بعض الجامعات لإجراء دراسة تبحث في حالات الهروب، ومحاولة تحليل الأسباب للحصول على توصيات وحلول تقلل منها أو تمنعها. آخر الدراسات في منطقة مكة المكرمة أوضحت أن %97 من الفتيات الهاربات هن سعوديات الجنسية، وغالبيتهن وبنسبة 52 % من حملة المؤهل الجامعي. وأظهرت الدراسة بعض التضارب، حيث أوضحت أن 54 % من أولئك الفتيات هن بين الـ17 والـ21 من أعمارهن، مما يتنافى مع إكمالهن المرحلة الجامعية. كما أوضحت الدراسة أن معظم الفتيات غير متزوجات وبنسبة %86، مما يؤكد دور الاستقرار العائلي والأسري للفتاة، وأن ممارسة دورها كربة بيت وأم، أمر مهم جدا في محاربة هذه الأفكار ورفضها. والغريب في الدراسة أن %81 منهن يعشن مع والديهن ولا يعانين تشتتاً أسريا. كما أوضحت الدراسة أن آباء وأمهات أولئك الفتيات متعلمون ويحملون مؤهلات ما بين الشهادة المتوسطة إلى الشهادة الجامعية. كما أوضحت الدراسة أن السبب الرئيسي للهروب وبنسبة %41 هو وسائل التواصل الاجتماعي، والتغرير الذي يتم من خلال تلك الوسائل لفتيات في مرحلة المراهقة.

ولبحث كيفية الهروب من البيت، كان الهروب الفردي هو الأكثر، ثم الهروب الجماعي مع أقارب وأصدقاء، ثم مع مدبر لذلك الهروب. وتلعب أمور أخرى كأصدقاء السوء، ومفهوم هامش الحرية الخاطئ، وضعف الوازع الديني، والتفكك الأسري، دورا في حالات الهروب. ولبحث أسباب الهروب فقد تكون الأنظمة والعادات التي كانت تحدد حرية المرأة، سببا في ذلك، ولكن حاليا ومع هامش الحرية الذي منح للمرأة في جميع المجالات فإن هذا السبب لم يعد مبررا لهروب الفتيات. وربما يكون العنف الأسري سببا آخر، بالإضافة إلى سيطرة المجتمع الذكوري، والنظرة القاصرة للمرأة في المجتمع، لا سيما من فئة الشباب.

لمحاربة هذه الظاهرة فإن احتواء الفتيات منذ طفولتهن وإشعارهن بالأمان، ومنحهن حرية التعبير عن مخاوفهن، وتقوية الوازع الديني لديهن، وتغيير الصورة النمطية عنهن في أنهن أقل قدرا من الرجال، ومحاربة التحرش والتنمر بشكل فاعل ومؤثر، وتوفير فرص عمل لهن، وإيجاد حلول لمحاربة العنوسة لتمارس المرأة دورها كربة أسرة وأم. ولا ننس دور الجامعات والمدارس في التوعية بهذه التصرفات والعواقب الوخيمة المترتبة عليها.