يحدثني وهو حزين بأنه لا يستطيع الخروج من العمل لقضاء حوائجه الشخصية، بسبب زميل معاق يعمل معه في المكتب، بسبب عدم التزامه في الحضور، فسألته بحكم الفضول ما هو سبب إعاقته؟ فقال أبو صالح كان هذا الشاب نشيطاً ومن أفضل العاملين لدينا، يقوم بإعداد المعاملات وكتابتها وتوقيعها وتوصيلها لأصحابها بكل جد وإخلاص بدون كلل أو ملل، وكان يخدم كل الموظفين ويعمل الخير ولا ينتظر الجزاء، فهو شعلة متنقلة تنير الأقسام الأخرى، حتى أصبح الاعتماد الكلي عليه، كما أنه استطاع أن يملك ثروة صنعها بنفسه وأصبح ينافس بها الآخرين، تعرض لحادث مروري، أصبح ملازماً للفراش، ولا يستطيع الحركة وأصيب بشلل نصفي أقعده عن العمل حتى أصبح حضوره متقطعاً بسبب هذه الإصابة والآلام الشديدة التي يشكو منه، ولعلها إن شاء الله تطهير لحياته.

بعدها انتقلت إلى المستشفى لوجود موعد فأقابل صديقي الذي لم أقابله من زمن بعيد، وبحكم الفضول أيضا سألته عن سبب وجوده في هذا المكان، فقال عملت سنوات طويلة وخدمت بها وطني، وبعدها قدمت تقاعدي عن العمل لأرتاح وأستمتع بالحياة مع زوجتي العزيزة، ولكن شاء القدر أن تصاب بالمرض الخبيث الذي يشكو منه الكثير، ومن ذلك اليوم (يوم تقاعدي) حتى هذه اللحظة، وأنا أراجع المستشفيات والمتخصصين لمعالجتها وأرد إليها جزءًا من الجميل والوفاء على ما قدمته لي من صبر وتضحيات خلال فترة عملي، وأدعو لها بالشفاء العاجل. ما استمتعت بيوم واحد بعد تقاعدي، فهي أم لأبنائي وبناتي وهي زوجتي وشريكة حياتي التي رزقني الله بها.

تبقى الصحة والعافية نعمة عظيمة من الله لا يعادلها شيء، فالكثير منا يعتقد أن المتعة في جمع المال فقط، ونسي أن المتعة الحقيقية بأن تكون معافى في جسدك وبدنك، فإذا أردت معرفة تلك النعمة فعليك بزيارة المستشفيات أو على الأقل مراكز غسيل الكلى، لتشاهد بنفسك ما يعانيه هؤلاء من الموت اليومي لهم، وأيضا تشاهد في المقابل مرضى العظام الذين أصيبوا في حوادث مختلفة، يتمنون من الله أن يشفيهم ويقفوا على أقدامهم، يحركون أيديهم، والكثير من القصص تتقطع لها القلوب وتدمى لها العيون. أجمل ما نختم به حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها) فلنحمد الله جميعا أننا نستطيع قراءة هذا المقال، فغيرنا يتمنى أقل ما نحن فيه من نعم.