زرت جازان المدينة قبل أكثر من عشرين عاماً، ولم أجد فيها ما يستهويني للبقاء سوى إتمام مهمة العمل التي كلفت بها. لقد كانت موحشة في ذلك الوقت، تفتقر لأبسط مقومات التنمية. ولكن عدت لزيارتها الآن، لم أصدق ما رأيت، لقد أصبحت فاتنة ساحرة، ليست فقط بمدينتها، ولكن أسرتني جبالها التي عانقت السحاب والمطر، وشطآنها التي كانت كحورية تخطف الأبصار وتحير العقول، وجزرها التي تباهت بلؤلؤها ومرجانها، فما الذي حدث؟. كان هذا سؤال الصديق القادم من أرض نجدٍ في زيارة مدتها يومان، فظل أسبوعا كاملا، وغادر بوعد أن يعود وعائلته الكريمة لقضاء أسبوع آخر.

لا شك أن إسقاط الماضي على الحاضر يشكل ثغرة في بنائنا الفكري. ويحرمنا لذة الاستمتاع بجمال الحاضر ونور المستقبل. جميعنا ضد المبالغة والتهويل في المدح والذم والقبول والرفض، أو نكون تحت تأثير العاطفة التي تقودنا أحيانا إلى عدم التوازن والاعتدال. ولكن لا نختلف أن الواقع أحيانا يفرض وجهة نظره التي يشهد بها الغريب قبل القريب، ويعترف بها القاصي قبل الداني، ولهذا كان جمال جازان وفتنتها وجاذبيتها، نقطة وفاق بين الجميع لم يختلفوا عليها.

التغيير ليس بالأمر بالسهل، ولكنه دائما ممكن بوجود أمير أحلامه تتجاوز السحاب، وشباب يعشقون النجاح. تحقيق الأهداف والأحلام ممكن مع المحاولة المتواصلة وبذل الجهد وتحمل المعاناة، وهذا ما حصدته جازان حتى أصبح شتاؤها وشواطئها ومناشطها مناسبات يرغب الجميع في حضورها والاستمتاع بها.

لقد رفعت منطقة جازان سؤالاً هاما، كان لا بد من الإجابة عنه بمجموعة من الأفعال، كان السؤال «كيف نستطيع أن نوازن بين الماضي العريق، والثقافة العظيمة لهذه المنطقة، وبين حاضرٍ متميز ومستقبل مشرق؟». كانت البداية بالتركيز على البني التحتية التي شهدت تحسناً ملحوظا عبر شق الطرق وتعبيدها وتوفير الخدمات الأساسية، وتحسين البيئة التعليمية حتى أصبح التعليم بالمنطقة مشهودا له بالتميز. ثم كان التركيز على أن تكون المنطقة جاذبة للمستثمر والسائح، فتم إنشاء العديد من الفنادق وتطوير قطاع السياحة، والاهتمام بشواطئ المنطقة، حتى أصبحت الأكثر جمالا وجاذبية. ثم تبع ذلك اهتمام بالجزر المأهولة وغير المأهولة، حتى كانت مقصد كل زائر وسائح بالمنطقة. ثم كان الاهتمام بالجبال الساحرة في فيفا وهروب وبني مالك، وتشجيع المهرجانات الخاصة بكل محافظة كاحتفالات العسل والبن وفاكهة المنجا. وكان المحرك الأساسي لكل هذه النجاحات هو شباب جازان الذين كسبوا كل تحد ونجحوا في كل مهمة. وكانت آخر الإنجازات، المرصد الحضري الذي يحتوي المسارح المغلقة والمسارح الرومانية والتي تستضيف معظم الفعاليات وتعكس جمال ومخرجات المنطقة. وحيث إن ما يميز جازان عن غيرها من المحافظات هي تلك الروائح الزكية التي تفوح من فلها وكاديها، فأصبح الفل والكادي هما الهدية التي تقدمها جازان لكل ضيوفها. ورغم التركيز على التنمية والسياحة واللحاق بركب الآخرين، لم تنس جازان تاريخها وموروثها الشعبي وثقافتها التي كانت حاضرة في كل مناسبة.

أخير يقول فولتير (لا تستطيع أي مشكلة أن تواجه التفكير المنظم)، ونقول لا تستطيع أي معضلة أن تقف أمام أحلام وهمم أبناء الفاتنة جازان.