في تاريخنا كثير من القرارات التي تم اتخاذها، وكانت ترتكز على المصالح الشخصية والسياسية والقبلية والمذهبية، وكلفت الأمة كثيرا من القتل والدمار والتخلف والرجعية. جميع الحضارات التي نسمع عنها مرّت بتلك المرحلة من التخلّف، ولكنها استفادت من دروس الماضي، ونهضت وخطّت سيرتها في تاريخ البشرية، إلا نحن -كأمة عربية إسلامية- ما زلنا في دائرة التيه والتخبط، تفتك بنا الحروب ويتغلغل فينا الجهل، وتتم مصادرة العقل وحرمانه من حقوقه في التفكر والتحرر والتطور. ولعل هذا ما شجع إردوغان وخامنئي وغيرهما على التوغل في البلدان العربية، والاستفادة من حالات التشرذم والفرقة، لصناعة مفهوم جديد من الاستعمار ومصادرة حرية الشعوب.

إن التخلف العقلي الذي نعيش فيه منعنا من فهم الواقع والأخطار المحدقة. بل -للأسف- تم التكيّف مع هذه المخاطر والاستعمار الجديد بشكل سلبي، ورأينا كيف تم التغيير الديموجرافي في سورية والعراق واليمن، وهو الآن على مشارف ليبيا.

إن المفكرين والمصلحين والذين كانت لهم جهود حثيثة في إنقاذ بلدانهم من هذا المستنقع والخروج بها إلى بر الأمان، كان عليهم تشجيع الفكر ونشر المعرفة، ولعلنا نذكر هنا -على سبيل المثال- السعودية والإمارات ومصر والكويت والتي حاربت الأصولية والتشدد والعيش في الماضي، وكان لها موعد مع الانفتاح والتركيز على البناء والتنمية، والتنبه للمخاطر المحيطة ومواجهتها أو تلافيها. إن التقدم الذي تشهده بعض الدول العربية، يعود إلى ارتفاع حساسية القيادة والمجتمع من المشكلات المحيطة بهم، سعيا إلى الرقي والرفاهية.

وفي الجانب الآخر، نجد تلك الدول التي خضعت للمستعمر الجديد تعيش في أجواء من البؤس والفوضى والجهل. إن الوضع الذي يعيشه العراق وسورية ولبنان واليمن وليبيا، لن يتحسن إلا بمحاولة العقلاء وضع رؤية تساعدهم في معرفة مشكلاتهم بوضوح، وإن المستعمر الجديد لن يكون الحل لتلك المشكلات. إن المستعمر الجديد لتلك البلدان يعلم يقينا أن نشر الأمية والطائفية والتطرف، واغتيال المفكرين والعقلاء، وإضعاف الاقتصاد هو الطريق الأسهل لبسط نفوذهم، وللقضاء على أي ثورة مضادة.

من الصعب حاليا نشر المفاهيم الراقية والأساليب الحضارية في مجتمعات نسبة الأمية والطائفية والتطرف فيها مرتفعة، وللخروج من هذا التردي لا بد أولا من الثورة على المستعمر الجديد، ثم التركيز في القضاء على الأمية ومصادرة التطرف والمذهبية. إن على شعوب اليمن والعراق ولبنان وسورية وليبيا أن تفكر في مصيرها، وأن تختاره وأن تحارب تصدير ثورة لم تنجح في إيران إليها، وأن تقضي على أحلام الخلافة العثمانية لشخص متهور.

إن وجود الاستعمار يعني وجود الأعداء، ووجود الأعداء يعني روح المقاومة بحثا عن الحرية. إن محاولة تركيا وإيران إقناع تلك الشعوب بأن حركته الاستعمارية هي لمصلحة تلك الشعوب والنهوض بها، قد باءت بالفشل، لا سيما مع توسع مدارك العقل العربي، ومع انتشار وسائل التواصل ووسائل الإعلام التي لعبت دورا كبيرا في فضح أساليب الاستعمار الجديد وكشف نواياه الخبيثة. كانت بغداد ودمشق حين دخلها المغول لوحا من الخشب المنخور، وجسدا من غير روح، وكذلك الحال عندما دخلتهما إيران، ولكنهما سيعودان ويطردان المستعمر، ونرى حضارة الشام وبلاد الرافدين من جديد.